ايران .. والكيان .. والمقاومة
عوض ضيف الله الملاحمة
أود ان أسبر أغوار موضوع خلافي شائك ومتشابك ، في ظل اجواء تشوبها العصبية والتعصب والبعد عن المنطق في التحليل ، وتناسي محطات مفصلية من التاريخ ، والتفنن بربط الفهم بالواقع الحالي دون واقعية ، في واقع المتغير فيه سيد الموقف .
لا مشكلة لديّ في الخوض بهكذا موضوع شائك ، خاصة وان باروميتر القياس لديّ هو نهجي القومي الذي لا يتلون ، وميزته الثبات والرسوخ ، وبوصلتي وطنية وقومية بوضوح لا يقبل التأويل . كما انني لا يمكن ان أُسفِه رأي أحد ، واحترم كل الآراء ، وان الاختلاف يختلف عن الخلاف ، يضاف الى ذلك ان من طبيعتي انني لا يمكن ان اتلفظ بلفظٍ نابٍ مهما بلغت جهالة الطرف الآخر .
سأستعرض بعض محطات ايران ، وحزب الله ، والموقف من قضيتنا المركزية ، ولكلٍ له ما له ، وعليه ما عليه بمصداقية عالية قدر الإمكان .
بداية ليس من المنطق ان نتجاهل او ننسى عداء ايران الفارسي الجيني لكل ما هو عربي . كما علينا ان لا ننسى ان ايران تحتل العديد من الاراضي العربية وللتحديد نذكر : عربستان ، والجزر الإماراتية الثلاثة ( طنب الصغرى، وطنب الكبرى ، وابو موسى ) . وللتذكير فإن احتلال الجزر تم في فترة حكم الشاه ، وهذا دليل على ان الفرس عدائهم جيني لكل ما هو عربي . كما انه ليس من المنطق ان ننسى الحرب التي شنتها ايران على العراق لثماني سنوات متصلة . والأحدث والأهم والأخطر التوافق الامريكي الايراني لاحتلال العراق والموافقة الامريكية على إستباحة العراق من قبل ايران . وهنا لا بد من ذكر ان تخطيط ايران لوجود اذرع لها في عدة دول عربية لتعزيز مكانتها الاقليمية هو الهدف الأساس . وهل نسينا ما اعلنه قاسم سليماني بكل زهو وفخر بأن ايران تحكم اربعة عواصم عربية ؟
ومن اذرع ايران حركة حماس . ولا ينكر اي عاقل الدعم الذي قدمته ايران لحركة حماس لتغطية قصور العرب في هذا الجانب ، وهو الذي اجبر حركة حماس للانحياز الى ايران لعدم وجود البديل . كما علينا ان لا ننسى ان ايران تخلت عن حماس وتركتها تواجه مصيرها الدامي لشهور طويلة والعدو الصهيوني يمشط ارض غزة تمشيطاً ولم يسلم حتى الحجر والشجر . وقد يقول قائل عندما قصّرت ايران لماذا لم يساندهم العرب . اقول : ان القاعدة الاساسية هي شطب النظام الرسمي العربي لانه اما متخاذل او عميل للعدو .
وأهم اذرع ايران هو حزب الله ، ومن المنطق ان لا ننسى دور حزب الله في تحرير جنوب لبنان من الإحتلال الصهيوني ، حيث سجل سبقاً تاريخياً في تحرير ارض عربية من العدو ، وهذا الفعل لم تقدر عليه الجيوش العربية بكاملها . لكن المؤلم والمُعيب ما فعله عناصر حزب الله في سوريا ، عندما أطاحوا بالشعب السوري ذبحاً وتقتيلاً وتهجيراً في جرائم دامية الدافع لها ، والموجه لها النظام الايراني لغاية طائفية بغيضة . كما انه ليس من المنطق ان ننسى او نتناسى ما فعله الحزب في إثارة النعرات الطائفية في لبنان وتمسك الحزب بان يصر دوماً على التمسك بدور الثلث المعطل الذي شلّ لبنان لعدة عقود من الزمن . وها هي ايران تتخلى عن احد اهم اذرعها في المنطقة عندما بدأت المواجهة مع العدو . مع ان حزب الله لا يقدح من رأيه وفكره في هكذا مواجهة ، بل يتم ذلك وفق أوامر ايرانية ، حيث يختلف الحزب عن حماس في هذا الجانب ، فكل المؤشرات والتحليلات أكدت ان ما حصل في السابع من اكتوبر كان ( نخطاً ) او قدحاً من رأس حركة حماس .
نقول شكراً ايران على دعم المقاومة . نعم شكراً لإيران مع ان دعمها للمقاومة هو ليس اكثر من وسيلة لتحقيق اهداف ايرانية بحته . حيث بواسطتها اوجدت لنفسها مخالب في عدة مواقع استراتيجية عربية ، لتزمجر بها عند اللزوم في اوقات التفاوض مع الغرب لتتحصل على مكاسب كثيرة اهمها المماطلة ، وكسب الوقت للوصول الى استكمال برنامجها النووي لتنضم الى نادي الدول النووية .
كل عربي يفكر بعقلانية يعرف جيداً ان تحرير فلسطين ليست من اولويات ايران ، وان نهجها في دعم المقاومة ليس غاية بل وسيلة لفرض وجودها وتأثيرها في المنطقة . وهذا حق مشروع لإيران ان تكون دولة قوية ، ولها مشروعها في المنطقة العربية ، ما دام العرب غارقون في خذلانهم وتبعيتهم .. ( الله لا يردهم ) .
العرب هم المجبرون على ان ينتزعوا شوكهم بايديهم . وبما انه لا يمكنهم ذلك في هذا الزمن ، فليذهبوا الى الجحيم هم وقضاياهم الى ان يستفيقوا .
كما انه علينا ان لا ننسى ما قاله السيد حسن نصر الله عندما قالها بتسجيل صوتي بالفم المليان : (( كنا اصدقاء الى اسرائيل من عام ١٩٨٥ ، و ١٩٨٦ ، و ١٩٨٧ الى ١٩٩٠ .. الخ )) .
الخلاصة ايران عدو تاريخي مؤجل . الدعم المحدود للقضية الفلسطينية هو وسيلة وليست غاية ، اي لغاية وهدف اكبر وأهم بالنسبة الى ايران . وهو جزء ، او احد الآليات لتصدير الثورة الايرانية للتقرب للشعب العربي الذي ما زال يعتبر القضية الفلسطينية قضيته المركزية ، مستغلة وهن وتشتت النظام الرسمي العربي .
ومع ذلك ، أكرر : شكراً ايران على الدعم المحدود لبعض الفصائل الفلسطينية والعربية . نشكرك مع علمنا ان هذا الدعم هو وسيلة لغايات وأجندات إيرانية كبرى منها : تصدير الثورة للاقطار العربية ، وايجاد مخالب لها ليبدو للغرب انها يمكن ان تؤذيه اذا شاءت ، لتحقيق دخولها نادي الدول النووية ، وتقاسم السيطرة على الوطن العربي .
انا مع كل من يقاتل العدو الصهيوني . لا بل انا احترم واساند كل من يكرهه . لا بل انا احترم كل من يقف محايداً في صراعنا مع هذا العدو الاستعماري الاستيطاني .
قناعتي الشخصية كقومي الفكر والنهج ، أدعم مقاومة العدو المحتل بقوة ، دون ان التفت الى المصادر التي تدعمها ، حتى لو تحالفت مع الشيطان ، ما دام العرب قد تخلو عنها . لكن ليس مطلوب مني ان أؤيد الداعم لها ، وان أنسى او أتناسى تاريخه الاسود مع العرب ، وأطماعه الخطيرة ، وسيطرته على العراق العظيم ومحاولات فرسنته ، واحتلاله عربستان والجزر العربية الثلاثة ( طنب الصغرى ، وطنب الكبرى ، وأبو موسى ) ، التي شاركت انا شخصياً وهتفت في اكبر مظاهرة عام ١٩٧١ في بغداد ، حيث تم رفعي على اكتاف طلبة جامعة بغداد من منطقة الوزيرية الى ساحة التحرير ، وكان بانتظارنا الشهيد الحي / صدام حسين ، وهو الذي انزلني عن أكتاف احد زملائي بيديه الطاهرتين ، وكان يصيغ الكلمات التي اهتف بها صديق عمري الاستاذ / محمود صالح محمد الضمور الشاعر القدير ، وأذكر مما هتفت به (( جزر طنب عربية / وابو موسى محمية / نحميها نحن الشباب / بالعزيمة الثورية )) .