أقلام و آراء

أقل من نيابة .. وأكثر من بلطجة

 

عوض ضيف الله الملاحمة

أخجل من أُردنيتي عندما ( يتباطح ) من يمثلون الشعب الأردني العظيم ، بدل ان يتحاوروا وهم يراعون آداب الحوار ، ويكون الإختلاف في وجهة النظر على القرارات التي سيتخذونها لمصلحة الوطن والمواطن ، دون ان يصلوا درجة الخلاف ، وان كان وحصل يجب ان يكون خلافاً حضارياً . ما حصل في مجلس النواب يوم أمس ذكرني في مقال كتبته بتاريخ ٢٠١٩/٦/٢٨ بعنوان ((فنّ الحديث .. وآداب الحوار )) .

أحياناً أتصفح بعض المجلات والصحف الأجنبية على الإنترنت . وحصل معي مرتين قبل سنوات ان وجدت خبراً عن وطني الأردن الحبيب ، فسررت ، وتهلل وجهي منتشياً مستبشراً بإهتمام الصحافة العالمية بوطني . وعندما ركزت على الصورة قبل النص ، إكفهر وجهي ، وأحمرّ ، وخجلت من نفسي وأنا أمام نفسي . وتمالكت نفسي وباصرار بدأت بقراءة النص واذ هو عن عراك بين نوائبنا — عفواً نوابنا .

يا من يفترض انكم نواب الوطن ، ومن خيرته ، وصفوته ، والله ان ما يحصل بين بعضكم شيء مخزٍ ، ومُعيب ، ومُخجل . أقسم بالعلي العظيم ثلاثاً لو كنت نائباً وحصل حدث واحد سخيف مما يحدث لتقدمت بإستقالتي . وسأكتب باستقالتي لا يشرفني الإستمرار في هكذا بيئة انتهجت الوضاعة في التعامل بدل الحضارة والتمثيل الذي يليق بالوطن والمواطن .

كوني ابن بيئة تجمع بين حياة البدو والفلاحين ، أود ان أسوق تشبيهاً لمفهوم الصفوة ، او الزبدة . كان والدي رحمة الله عليه يمتلك المئات من رؤوس الاغنام . وفي موسم الحليب ، يكون ناتج الحلب مئات الكيلوغرامات من الحليب يومياً . ويتم البدء بخضه في ( القُرقعة) ، وللتوضيح للنواعم أبناء الكورنفليكس — القُرقعة : هي وعاء كبير ، من جلد كبشين ضخمي الحجم — وتسفر عملية ( الخض ) عن الحصول على بضع كيلوغرامات من الزبدة فقط ، كنتاج لمئات الكيلوغرامات من الحليب . فيفترض ان يكون نوابنا زُبدة مجتمعنا الأردني الكريم العظيم ، لكن بعضهم ليسوا كذلك ، مع الأسف .

أحد الشخصيات الأردنية رفيعة المقام علمياً ، وأخلاقياً ، وقيمياً ، وهو صديق عمري ، ورفيق غربة . وكان في فترة زمنية سابقة ، قد أصبح نائباً . سألته مرة : كيف توجز لي تجربتك النيابية ؟ قال : أتمنى لو انها تُشطب من تاريخي لأنها شوهت سيرتي الذاتية . تبين انك معك كل الحق يا صديقي .

لم يترك بعض النواب وسيلة من أساليب الشوارع للمشاجرات الا وتمت بين جدران المجلس ، فمن إطلاق الرصاص بالرشاش ، الى سحب المسدسات ، الى الخنق ، والشدّ بربطات العنق ، والتراشق بكؤوس المياه ، واللجوء للجر ، والدفش ، والرفش ، والرفس ، والضرب بالأيدي ، واللكم ، والقفز فوق الرؤوس ، الى ان وصلنا لإستخدام ( الكنادر ) ، والتلفظ بالالفاظ السوقية النابية . شيء مقزز والله . لدرجة انني أخال ان الضرورة اصبحت تحتم على من يود الترشح للنيابة ان يكون حائزاً على دورة بلطجة في بعض شوارع الزعران .

أرى ان الدولة الأردنية قد أصبح من ضروريات مهامها ان تذهب الى تغيير شامل كامل لقانون إنتخاب مجلس النواب . ومن الضروري ان يكون قانوناً وطنياً غير مستورد ، وان يكون القانون يشبهنا ، ويمثلنا ، ويضبطنا ، ليكون قطافه ومخرجاته من النواب ممن هم بمستوى تمثيل شعبنا الأردني الأصيل العظيم . ألم تلاحظ الدولة الأردنية العميقة عزوف رجال العلم ، والثقافة ، والمعرفة ، والخبرة ، والخلق القويم ، والقيم السامية النبيلة ، والنزاهة ، والعفة ، والشرف قد عزفوا عن الترشح !؟

قانون الانتخاب الحالي ومن سبقه اعتبره أضرّ بالوطن . وكأن المقصود منه إبتلاء الوطن بهكذا تمثيل ، حتى يتم التمكن من شراء ذمم بعضهم . فما دام المقتدر مالياً ، والفهلوي ، هو من يتصدر للترشح ، تكون هذه المخرجات الفعلية . تمثيل مُخزٍ ، من بعض النواب . طبعاً ، وبالتأكيد هناك نواب يتشرف الوطن والمواطن بتمثيلهم ، لكنهم قلة ، مع كل الأسف .

لتكرر تلك السلوكيات المعيبة ، لا أرى ان الحل يكمن في النظام الداخلي لمجلس النواب ، ولا بتغليظ عقوباته ، ولا بلجنة السلوك النيابية ، أبداً . هكذا نظام ، وهكذا لجنة تصلح للنظر في اختلاف في وجهات النظر ، لا يصل حتى لدرجة الخلاف . يمكن اللجوء اليهما في حالة إحتدَّ الحوار ، وتحول الى جدلٍ بين نائبين ورفعا صوتهما على بعضهما ، مما أخرجهما عن الإلتزام بأداب الحوار الى الغوغائية .

أرى ان الحل يكمن بأربع خطوات تصدر بقانون وهي :—
١ )) إضافة مواصفات وميزات شخصية يجب ان يتحلى بها من يود الترشح للنيابة . وذلك بالتحري عن شخصه في البيئات التي يتواجد فيها . حيث يجب ان يتحلى بالتعامل الحضاري ، واحترام الآخر ، وان يكون مهذباً في سلوكه ، راقياً في تعامله ، وانه لم يسجل عليه سابقة في اي اسلوب من اساليب البلطجة وما شابهها .
٢ )) كما أرى ضرورة خضوع المترشح لمجلس النواب الى دورات تثقيفية في السلوك الحضاري ، وآداب الحوار ، وان يخضع المتدرب الى تطبيق عملي لما إكتسبه وان يتم وضعه في مواقف ضاغطة ومحرجة ليتبين إسلوبه في التعامل .
٣ )) وان يتم تجميد عضوية النواب المتشاجرين فوراً ، وان يتم التعامل معهم من قبل القضاء الأردني كأي ( زعران ) تشاجروا في الشارع العام ، وان يتم إيقافهم من قبل النائب العام . وان يكون من ضمن العقوبات الفصل الفوري من عضوية مجلس النواب قضائياً .
٤ )) وجوب تقديم النواب الذين بدر منهم هكذا سلوك اعتذاراً لمجلس النواب ، وللوطن ، وللشعب الأردني .

هكذا سلوك غير حضاري يسيء للوطن ويشوه سمعته في الخارج . هذا السلوك ليس بعيداً عن الخيانة للوطن وإنعكاساتها ، ويفترض ان يتساوى معها في العقوبة . لذلك على الدولة الأردنية ان تتخذ إجراءات رادعة لهكذا سلوكيات مُعيبة تشوه الوطن .

من يقلدهم الوطن أعلى المناصب ، ويتعدون عليه ، وشوهون سمعته ، ويؤثرون على هيبته ، لا يجب ان يتم التعامل معهم وفق نظام داخلي حضاري لا يتناسب ومستوى تصرفات بعض النواب . بل يجب التعامل معهم ومعاقبتهم وفق القوانين الأردنية امام القضاء الأردني كأي مواطن ارتكب جُرما بحق الوطن . من الضرورة بمكان ان يكون الجزاء متساوياً مع حجم المسؤولية الملقاة على النائب ، ولا يصح ان ينتهي هكذا سلوك مُشين ومسيء للوطن ( ببوس اللّحية ) وحل وديّ كأي شجار .

والله ان بعض من يفرزهم قانون إنتخابات مجلس النواب هم نوائب للوطن ، بل كوارث . هؤلاء لا يمثلون الشعب الأردني الشهم العظيم أبداً . شعبنا الأردني الكريم العظيم يسامح بالدم إكراماً وتكريماً لوجوه أردنية خيرّة تأتي مضاربه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى