قندح يكتب : الضرائب الخضراء..بين تعزيز الايرادات وخنق الاستدامة!!
د.عدلي قندح
في سياق التعديلات الضريبية الأخيرة التي أُعلِنت على السيارات الكهربائية والتبغ، يتضح بشكل جلي أن القرارات سيكون لها آثار سلبية عميقة على الاقتصاد البيئي وأبعاد الاستدامة، إضافة إلى تأثيراتها الواضحة على الطبقة الوسطى والمجتمع ككل. فبدلاً من أن تكون هذه السياسات موجهة نحو تحقيق التوازن بين الإيرادات المالية والخطط التنموية طويلة الأمد، يظهر الانحياز لصالح الخزينة على حساب التحول إلى اقتصاد أخضر ومستدام.
واذا ما تم تحليل أثر الضريبة على السيارات الكهربائية في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية، يبدو وكأن القرارت تسير في الاتجاه المعاكس بفرضها ضريبة تصل إلى 40% على السيارات الكهربائية التي تتراوح قيمتها الجمركية بين 10 آلاف و25 ألف دينار، و55% على تلك التي تتجاوز قيمتها الجمركية 25 ألف دينار. هذه الخطوة تعاكس تماماً الجهود المحلية والدولية الرامية لدعم الاستدامة والاقتصاد الدائري.
التحليل الاقتصادي لهذه الخطوة يبرز أهمية فهم “مرونة الطلب السعرية” على السيارات الكهربائية، وهي المقياس الذي يوضح كيف يتغير الطلب على السلعة عندما يتغير سعرها. السيارات الكهربائية، كمنتج جديد نسبياً في السوق الأردني، تتميز بمرونة طلب سعرية مرتفعة نسبيًا، مما يعني أن أي زيادة في الأسعار ستؤدي إلى انخفاض ملموس في الطلب. وعليه، فإن فرض ضريبة إضافية سيؤدي إلى تثبيط المواطنين عن تبني هذه التكنولوجيا، وبالتالي التأثير سلبًا على الجهود البيئية وتحقيق أهداف الاستدامة.
إذا كان الاردن يرغب في التحول إلى الاقتصاد الأخضر، فإن فرض ضرائب تصاعدية على السيارات الكهربائية يتناقض مع هذا الهدف، حيث سيعزز من إقبال المستهلكين على السيارات التي تعمل بالبنزين، بعد أن حصل تحول ملحوظ في السنوات القليلة الماضية نحو السيارات الكهربائية، حيث ارتفع الطلب على السيارات الكهربائية بشكل كبير وبنسبة 40% منذ بداية عام 2022، وفقا لاحدى الدراسات. واذا عاد الطلب للزيادة على السيارات التي تعمل على البنزين سيؤدي ذلك إلى زيادة الانبعاثات ويضر بالبيئة على المدى الطويل.
بدلاً من ذلك، يجب تقديم حوافز لتشجيع استهلاك هذه السيارات؛ أي الكهربائية، بما في ذلك تخفيض الضرائب عليها، وهو ما يتماشى مع سياسات الاستدامة البيئية المعتمدة في العديد من الدول النامية والمتقدمة. ونقترح زيادة الاستثمار لتعزيز قدرات شبكة الكهرباء الذكية في الاردن وتشجيع التحول لاستخدام السيارات الكهربائية والبحث عن بدائل أخرى لتحسين إيرادات الخزينة ومنها ترشيد النفقات العامة وتشجيع الاستثمارات الخاصة والأجنبية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
أما فيما يتعلق بزيادة الضرائب على التبغ ومنتجات التدخين، فنحن أمام قضية مختلفة تمامًا. بحسب “قانون مرونة الطلب السعرية”، فإن الطلب على التبغ يُعتبر غير مرن؛ بمعنى أن الطلب عليه لا ينخفض بشكل كبير حتى مع زيادة الأسعار. يمكن تفسير ذلك بالاعتماد على سلوك المستهلكين الذين يُظهرون إدمانًا على منتجات التدخين، مما يجعلهم أقل حساسية لارتفاع الأسعار. احدى الدراسات التي أجريت عن الأردن قبل عدة سنوات بينت أن الطلب على منتجات الأرجيلة (الشيشة) بشكل عام غير مرن، حيث تراوحت المرونات بين -0.3 لتدخين الأرجيلة في المقاهي التي تقدم خصومات و -0.9 لتبغ الأرجيلة المخفض المدخن في المنزل.
ولم تكن مرونة الطلب على تبغ الأرجيلة الذي يتم توصيله إلى المنازل ذات دلالة إحصائية، بشكل عام، كانت مرونة الطلب السعرية على منتجات التبغ في الأردن بالمتوسط مماثلة لمرونات أسعار السجائر المعروفة في الأدبيات الاقتصادية، والتي تتراوح عادة بين -0.2 و -0.6. السؤال الذي يُطرح هو: هل قمنا بإجراء دراسة أثر قبل التوصية باخذ مثل هذا القرار؟!
لذا فاننا نرى أنه رغم زيادة الضرائب على السجائر التقليدية والبدائل الإلكترونية، فمن المرجح أن الطلب لن ينخفض بالقدر المتوقع، وبالتالي فإن وزارة المالية قد تحقق زيادة في الإيرادات الضريبية، ولكن دون نجاح وزارة الصحة في تحقيق هدفها المعلن وهو الحد من انتشار التدخين.
وهنا يكمن التناقض بين الأهداف المعلنة والسياسات المتبعة. بدلاً من الاعتماد فقط على رفع الأسعار، يجب تقديم سياسات شاملة تتضمن حملات توعية صحية مكثفة وبرامج إقلاع عن التدخين مدعومة من الدولة وهو ما شهدناه على استحياء على بعض المنصات الاعلامية، والذي يجب أن يستمر دون اللجؤ الى رفع الضرائب على السجائر.
يتضح أننا نتعامل مع مفهوم الاستدامة بشكل سطحي، إذ نسعى لزيادة الإيرادات على حساب التوجهات البيئية والتنموية. فإذا كنا نسعى فعلاً لتحقيق الاقتصاد الدائري والمستدام، فإن سياسات الضرائب الحالية لا تخدم هذا الهدف. فرفع الضرائب على السيارات الكهربائية يؤدي إلى تقليل الحافز للاستثمار في وسائل النقل النظيفة، مما يعوق تحقيق التزامات الأردن تجاه تخفيض انبعاثات الكربون.
من الناحية البيئية، يجب النظر إلى النقل المستدام كجزء من استراتيجية شاملة تشمل تخفيض الضرائب على السيارات الكهربائية، دعم إنشاء محطات شحن كهربائية، وتقديم حوافز مالية للمواطنين لشراء هذه السيارات. كذلك، من الضروري أن تركز السياسات الضريبية على تعزيز الاستثمار في الطاقات المتجددة والبنية التحتية الخضراء، وهو ما سيساهم في تحقيق تنمية مستدامة وحماية البيئة.
يمكن القول إن القرارات الضريبية الحالية تفتقر إلى التوازن بين تحقيق الإيرادات وتعزيز التنمية المستدامة. فالضرائب التصاعدية على السيارات الكهربائية تثبط التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بينما زيادة الضرائب على التبغ قد لا تؤدي إلى تحقيق أهداف الصحة العامة بسبب ضعف مرونة الطلب السعرية على هذه المنتجات. لذا، يجب إعادة النظر في السياسات الضريبية بما يتماشى مع الأهداف البيئية والاجتماعية، والتوقف عن اتخاذ قرارات تتعارض مع التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة.