
عوض ضيف الله الملاحمة
عملية طوفان الأقصى التي تمت في السابع من شهر اكتوبر عام ٢٠٢٣ كانت عملية جريئة — حدّ التهور — وغير مسبوقة على صعيد العمل النضالي الفلسطيني ، الذي حرفته منظمة التحرير الفلسطينية عن مساره منذ تأسيسها .
أرى ان تقييم الحروب بعامتها ، لا يخضع لنفس المعطيات والأسس في التقييم ، لان الحروب انواع وأشكال . كما تتعدد مفاهيم النصر ، حيث منها المعنوي ، والمادي ، مع عدم إغفال النتائج المستقبلية ، مثل إسقاط حكومات ، او إسقاط نهج معين .
وعلية ، قبل ان نعتبر معركة طوفان الأقصى إنتصاراً ، او إنكساراً ، ارى انه لا بد من سرد ما لها وما عليها بعقلانية ، بعيداً عن العواطف والانفعالات او التعصب . وهنا سوف أحاول سرد البعض من إيجابياتها بنقاط محددة :—
١ )) ليس من المنطق إنكار عنصر المبادأة ، والمفاجأة ، والجرأة ، والإقدام الذي أقدمت عليه المقاومة ، وكونها العملية الأكبر في تاريخ النضال الفلسطيني .
٢ )) الإرتباك غير المسبوق الذي أصاب العدو على المستوى الرسمي والشعبي ، عسكرياً ، وسياسياً ، وأمنياً .
٣ )) إفقاد الكيان ثقة لممهِ — او شعبه — وهذا يحدث للمرة الأولى منذ تأسيس الكيان .
٤ )) إرتفاع نسبة الهجرة المعاكسة بشكل مُذهل ، حيث تسابق الصهاينة على المغادرة ، وازدحمت المطارات بالمغادرين .
٥ )) إنحدار الدخل السياحي ، لدرجة قاربت الصفر .
٦ )) هجرة رؤوس الأموال وتوقف استقطاب الإستثمار الأجنبي .
٧ )) الشلل الذي اصاب القطاع الاقتصادي بعامته.
٨ )) تراكم الخسائر في كافة القطاعات الانتاجية .
٩ )) تفتت مجتمع الكيان ، وطغيان الخلافات والانشقاقات .
١٠ )) خسارة الكيان للتأييد الشعبي العالمي ، خاصة في الغرب . وحدوث ارباكات وتصدعات في التأييد الرسمي الغربي ، والأهم توقف عدد كبير من دول اوروبا عن تصدير السلاح للكيان كلياً او جزئياً .
١١ )) وضع القضية الفلسطينية في صدارة الإهتمام العالمي بعد ان تراجعت لدرجة النسيان .
١٢)) كسب القضية الفلسطينية لتأييد شعبي عالمي غير مسبوق .
١٣)) حدوث تغييرات في مواقف المنظمات الدولية لصالح القضية الفلسطينية ، كما حدث مع قرارات محكمة الجنايات الدولية ، ومواقف الأمين العام للأمم المتحدة وتصريحاته الجريئة التي أيد فيها عدالة القضية الفلسطينية .
١٤)) كشف جُبن ، وخيانة النظام الرسمي العربي ، وتحجر مشاعره العروبية والإنسانية .
١٥)) من كان يتوقع ان تزحف شعوب اوروبا ، وخاصة الدول الاسكندنافية الى الشوارع في مظاهرات بأعداد كبيرة مؤيدة للقضية الفلسطينية ، لدرجة ان درجات الحرارة التي وصلت الى العشرينات ( تحت الصفر ) لم تمنعهم .
١٦)) من كان يتصور ان يستمر اليهود الأمريكان في مظاهراتهم ضد الصهيونية لشهور طويله دون توقف . ومن كان يتوقع حجم المظاهرات في حرم الجامعات الأمريكية .
١٧)) من كان يتوقع ان ( تنتخي ) دولة مثل جنوب افريقيا لفلسطين وترفع قضية ضد الكيان امام محكمة الجنايات الدولية ، وتعري جرائم العدو .
كما لابد من سرد الأضرار والإنعكاسات السلبية الكبيرة والمدمرة لعملية طوفان الأقصى ، كما يلي :—
١ )) تدمير قطاع غزة كاملاً ، بل محوه وتسويته بالأرض .
٢ )) تدمير كامل وشامل لكل البنية التحتية في القطاع مثل : المستشفيات والمراكز الصحية ، والمدارس ، والجامعات ، والدوائر والوزارات ، ودور العبادة ، والمياة ، والكهرباء ، والصرف الصحي ، والمتاجر ، والأسواق .. الخ
٣ )) ضخامة حجم الدماء التي سُفكت التي لو جُمعت لشكل جريانها انهاراً ، والتي نتيجتها تم إستشهاد حوالي ( ٥٠ ) ألف فلسطيني .
٤ )) حجم عدد الجرحى الذي زاد عن ( ١٠٠ ) الف جريح .
٥ )) عشرات آلاف المفقودين .
٦ )) عشرات آلاف المعوقين .
٧ )) مئات الوف مرضى نقص التغذية .
٨ )) تدمير كل مقدرات الغزيين التي كانوا يعتاشون منها ، مما عمّق حالة تجاوزت الفقر والفقر المدقع الى الجوع القاتل المميت .
٩ )) تصاعد اعداد الأرامل من النساء والرجال ، وارتفاع نسبة العنوسة ، مما سيؤدي الى إختلالات مجتمعية خطيرة في التركيبة السكانية .
١٠ )) ارى ان الجهات التي تبرعت بإعادة بناء غزة لن تفي بذلك ، وستبقى غزة مدمرة كما هي باستثناء من يقوى من الغزيين على إعادة بناء بيوتهم .
١١ )) حجم الأنقاض المهول ، حيث قدرت بعض الجهات ان رفع الأنقاض سيحتاج الى ( ١٤ ) عاماً .
والأهم هنا لابد ان نسأل : هل حقق العدو أهدافه من الحرب التي شنها على غزة واستغرقت حوالي ( ١٥ ) شهراً . أرى ان غالبية المتابعين يستطيعون الإجابة بكل تلقائية بأن العدو لم يحقق ولو هدفاً واحداً من الأهداف التي أعلنا صراحة ، ولوضوح اخفاق العدو أرى انه لا داعي لذكرها .
بالمنطق ، والعقل ، لا يمكن إغفال أوجاع أهل القطاع الذين أثخن العدو جراحه فيهم تدميراً ، وتقتيلاً .
وهنا أعود الى الحديث عن ان آليات وأسس ومنطلقات تقييم نتائج الحروب ليست ثابتة ، لأسباب عديدة منها : الاهداف من تلك الحروب ، وموازين القوى بين المتحاربين .. وغيرها . ففيها يختلف مفهوم الصمود ، كما يختلف مفهوم الإنكسار او الإنتصار في تلك الحروب .
وللتوضيح ، فان الفارق في التسليح ، والقدرات ، والإمكانيات بين العدو والمقاومة لا يمكن ان يخضع للمقارنة مطلقاً . والكل يعرف الفارق الكبير بذلك . فالعدو شن حربه بجيشٍ عرمرم ، مستعد ومجهز بأحدث الأسلحة ، وتم إعداد جنوده بأرقى وأحدث أساليب التدريب والتجهيز والإستعداد . أما المقاومة فهي محاصرة بداية ، وحصارها استمر لأكثر من ( ١٦ ) عاماً ، لدرجة ان القطاع يفتقر لأبسط أساسيات الحياة . واعداد المقاومين محدودة ، وتسليحهم كان يتم إما بالتهريب ، او بتصنيع صواريخهم من مخلفات سفينة عسكرية بريطانية غارقة في البحر منذ عقود من الزمن ، او باستخدام المواد التي يعثرون عليها من صواريخ العدو التي لم تنفجر . والأهم يتمثل في نجاح المقاومة بإستقطاب الامريكي فلسطيني الأصل المهندس / يحيى محمود جابر الغول ، كبير مهندسي القسام ، وصانع صاروخ القسام . والأهم ان قوة المقاومة كانت تنحصر في شيئين : العقيدة ، والإيمان بالقضية .
وهنا أختم وأقول : مقاومة المحتل يكون وقودها الناس ، ولا يمكن لثورة تهدف تحرير الأرض ، وتحرر الإنسان الا بالاعتماد على حجم التضحيات البشرية التي تكون عظيمة جداً . وللتدليل على ذلك فالشعب الفيتنامي ضحى ب ( ٣,٨ ) مليون إنسان حتى تحقق له النصر على المحتل الأمريكي . ولماذا نذهب بعيداً ، فالشعب الجزائري الشقيق ضحى ب ( ١,٥ ) مليون شهيد جزائري من المقاتلين ومن الشعب ، ليتخلص من الإستعمار الفرنسي .
فالنضال وتحمل الخسائر البشرية هي وسيلة لتحقيق الغاية الكبرى المتمثلة في التحرر والتحرير . كما ان مقاييس الصمود بين الكيان والمقاومة مختلفة تماماً . فيكفي المقاومة انها ما زالت صامدة ، وتتمكن من مقاومة العدو ولو بعمليات محدودة لكنها نوعية ليتم اعتبارها انها إنتصرت ولو ببقائها على الأرض . أما العدو فيمكن اعتباره انه قد انكسر لأنه لم يحقق أياً من أهدافه الكبرى التي وضعها ، يضاف الى ذلك انه سينسحب الآن من غزة . مبروك للمقاومة النصر الذي حققته رغم الجِراح .