ترامب .. والأردن .. واربع سنواتٍ عِجاف
عوض ضيف الله الملاحمة
من ضَعفِنا ، نتوسل اللطف ممن نتبعه مُجبرين لا مُختارين . وفي أحايين كثيرة نزداد خضوعاً خوفاً لا طوعاً ، لنتقي شره وجبروته وسطوته وسيطرته وكُثرة طلباته وأوامره المُرّه ، المُعيبة ، والمُخجلة وطنياً ، لأن فيها تنازل عن مُسلمات تمس الكرامة الشخصية والوطنية .
في فترة رئاسة ترامب الأولى أشهد ، وشهِد العالم ان الأردن الرسمي تمسك بثوابته ، وقاوم جبروته ، ورفض بكل إصرار صفقة القرن .
لأنني حصرت عملي واكتسبت خبرتي كلها من عملي بالقطاع الخاص الذي أمضيت فيه قُرابة ( ٤٨ ) عاماً بعد تخرجي من جامعة بغداد ، فإنني أتفهم أسلوب الرئيس ترامب حينما يُسبِغ على أغلب قرارته مسمى الصفقة ، كما تعود في إدارة أعماله الخاصة.
إذا ما عاد ترامب الى نهجه وسياساته في فترة رئاسته الأولى ، فعلى الأردن ان يتجهز للتعامل مع رئيس اقوى دولة في العالم ، رئيس متغطرس في قرارته ، متحيز للصهيونية ودعمه الجريء والمطلق للعدو الصهيوني .
هذا لا يعني ان وجود بايدن في الرئاسة ليس سيئاً . فعلى المستوى القومي والوطني ترك بايدن تركة ثقيلة على المستوى العربي ، فقد أمد الكيان بكل احتياجاته من الاسلحة الفتاكة المتطورة في حربه على غزة ، واليمن ، وشارك السلاح الجوي الامريكي بالقتل في غزة واليمن . كما ان بايدن هو من اصدر قرار انتشار المثلية والتحول الجنسي وفرضه على العالم كله ، وهذه من اكبر موبقاته . وسوف يصحح ترامب هذا القرار المُعيب الفاجر على المستوى الإنساني ، حيث وصف القرار بالوحشي السخيف . ومن قرارات ترامب الايجابية خفض الفائدة على القروض مما يخفف على المقترضين الأردنيين الذين تضاعفت فوائد قروضهم خلال فترة حُكم بايدن . كما اعلن الرئيس ترامب انه سيصادر كافة اموال كبار الساسة العراقيين المودعة في البنوك الامريكية ، وهي بمئات مليارات الدولارات . وهذا القرار يُثلج الصدر حتى لا يتبغدد بها الذين سرقوا مقدرات الشعب العراقي خلال عقدين من الزمن ، حتى لو ذهبت هذه المليارات للشياطين المهم ان يُحرم منها السارقين .
لسنا وحدنا كعرب قلقون من وصول ترامب الى البيت الأبيض . فيكاد يشابهنا كل العالم تقريباً ، بإستثناء العدو الصهيوني . فالقارة الأوروبية تخشى على إقتصادها من قراراته المتعلقة برفع الضرائب على دخول المنتجات الاوروبية — والألمانية خاصة — حيث يتوقع ان تصل الى ( ٢٠ ٪ ) . ولهذا شكلت اوروبا خلية أزمة لدراسة كيفية مواجهة قرارات ترامب القادمة . كما تخشى الصين وتركيا وغيرها على اقتصادها من تلك القرارات .
أرى ان ترامب سيسير على نهجه السابق . ولن يشفع للعرب ان العرب الامريكان قد صوتوا له . كما لن يشفع لنا ان زوج إبنته من اصول لبنانية . واعتقد انه سوف يتفرعن . لانها فترته الثانية والاخيرة ، لذلك اتوقع ان ( يعفت ) كل الامور ليسجل موقفاً تاريخياً في خدمة الصهيونية .
استبشر النتنياهو خيراً بعودة ترامب حيث نشر على منصته ، وكتب : (( عزيزي دونالد وميلانيا ترامب تهانينا على اعظم عودة في التاريخ )) . واعتقد ان ترامب سوف يوافق ويدعم نتنياهو بما يلي :—
1. سوف يقضم النتنياهو شمال غزة .
2. وسوف يقضم النتنياهو أجزاء من جنوب لبنان .
3. وسوف يسمح للكيان بضم المنطقة ( ج ) في الضفة الغربية .
4. ويا خوفي ان يلتفت لوعده اثناء دعايته الانتخابية لتوسيع الكيان كما وعد والذي سيكون على حساب الأردن بضم الاغوار الأردنية ، ولن يكتفي بذلك ، بل سيضم سلسلة جبال السلط المطلة على الاغوار لتعزيز سيطرة العدو بتجنب اعتبار الاغوار منطقة ساقطة عسكرياً .
5. وأعتقد ان الكيان سوف يلجأ لتهجير نصف مليون مواطن من فلسطين المحتلة منذ عام ١٩٤٨ ، خاصة من منطقة الناصرة ، لأن اغلب سكانها من الفلسطينيين ، ولا يوجد فيها الا عدداً محدوداً من المستعمرات ، ونصف مليون من الضفة الغربية ، ليتم تهجيرهم الى الأردن ، هجرة قسرية . وقد يقول قائل ان الأردن سيرفض ذلك التهجير بشدة ، ولن يسمح لهم بالدخول . أقول له : لو نقلهم العدو قسراً الى الحدود ، وتركهم في العراء ، بلا غذاء ولا ماء ، ولا دواء ، واذا تزامن ذلك مع فصل الصيف او الشتاء ، هل بامكان الأردن ان لا يستجيب لتوفير متطلباتهم في الصيف اللاهب او الشتاء القارص ؟ وهل يصمت الأردن وهو يرى الأشقاء يموتون عطشاً ، ويتضورون جوعاً ؟ قطعاً لا . وعليه سيستجيب الأردن مضطراً ويستضيفهم . وهنا تتحقق غاية النتنياهو .
وقد يقول قائل : ان المساعدات الامريكية للأردن قد زادت في فترة حُكم ترامب الأولى . اقول له ان نهج ترامب يتمثل في الالتفات الى تحقيق الأهداف الكبرى ، ولا يلتفت لدعم الأردن بزيادة مخصصاته بمئة مليون دولار ، وهي بالنسبة لهم فُتات .
إن الديمقراطية الأمريكية ديمقراطية المتناقضات . إنها ديمقراطية حقيقية رغم بعض العيوب . وهذا شيء طبيعي لأنه لا وجود للكمال في كل شيء دنيوي . لكن هل يمكن ان يحصل في الوطن العربي ان يتنحى الرئيس لنائبته وتترشح هي بدلا عنه . وكيف يمكن ان يقبل رجلاً مترشحاً للرئاسة ان تنافسه امرأة ؟ والأهم في الديمقراطية الأمريكية ان المتنافسين في الانتخابات الرئاسية لا يمكن لمن هو في سدة الرئاسة ان يحظى بأي دعم على منافسه القادم من الشعب . حيث تتساوى الفرص بين المترشحين بالتمام . وللعلم انني كنت اتوقع فوز ترامب لأن الشعب الأمريكي— الذي يدعي الحضارة — يرفض ان ترأسه إمرأة والدليل ما حصل مع هيلاري كلينتون قبلها .
قدوم ترامب ثانية الى البيت الأبيض لن يتحول فيها من شيطان مُتجبر في فترة رئاسته الأولى ، الى ملاك متعاون ومتفهم وعادل ومنطقي في فترة رئاسته الثانية . أتمنى ، وأدعو ان لا تصح توقعاتي هذه ، خوفاً من تهوره ونزقه ومزاجيته وإنفلات عِقاله وقسوته على العرب عامة ، وعلى الأردن والقضية الفلسطينية خاصة . حمانا الله من شروره إنه سميعٌ مُجيب الدعاء .