هل هنية .. ذهب ضحية ؟ 

 

عوض ضيف الله الملاحمه

التُقيه لا تختلف كثيراً عن النظرية الميكافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) . فالتُقية تعني مُداراة  وأخفاء بعض الأمور التي قد تُقدِم عليها ، فتلجأ لإظهار خلاف ما تُبطِن درءاً للمخاطر ، والسلامة والنجاة من العقاب الدنيوي . وبهذا فان التُقية تهيء لك الأسباب لتفعل ما تريد ، وبإظهار خلاف ما تبطن تنجو . ونظرية ميكافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة ) فان الاصرار للوصول الى الهدف تبيح لك إستخدام الوسيلة— بغض النظر عن مشروعيتها — لأن المهم يتمثل في تحقيق الهدف المنشود .

والسياسة مهنة اللا أخلاق . والتصفيات الجسدية يحترفها الكثير من الطغاة . وفي السياسة لا يوجد حليف دائم ولا عدو دائم أبداً . لأن المصلحة هي التي تحدد الحليف من العدو . وبكل بساطة اذا انتفت المصلحة قد يتحول الحليف الى عدو والعدو الى حليف .

الكل يعلم ان المرحوم / إسماعيل هنية ، ليس بعيداً عن ان يطاله العدو ، لا بل انه في متناول يده ويمكن إغتياله بسهولة سواء في غزة ، او مصر ، او تركيا ، او قطر ، لكن لسبب ما لم يُقدِم الكيان على إغتياله ، مع انه هدف سهل وجزل .

أمام الروايات المتعددة والمتضاربة ، والتكتم الايراني الشديد ، وعدم إقدام ايران على توضيح الوسيلة التي استخدمت في الاغتيال ، سواء صاروخ موجه ، او صاروخ تم اطلاقه من طائرة ، او طائرة موجهه ، او قنبلة ذكية موقوته زُرعت تحت سريره ، او وضع أحد الإشخاص جهاز تتبع عند معانقته هنية  . كما ان ما يزيد الشكوك ان الاغتيال تم بتوجيه الضربة الى جسده — والضربة تمت في رأسه مباشرة — وليس المبنى ، وهذا يقود الى إفتراض ان الاغتيال تم بوضع جهاز تتبع ألصقه به احد الاشخاص الذين عانقوا هنية في طهران ، او ان الاغتيال تم بوضع قنبلة ذكية تحت سريرة .

كما نُشر ان هنية في زياراته السابقة لإيران كان يقيم في أحد مقرات الحرس الثوري الايراني ، وانه كان لا يعلم أحداً عن مكان إقامته الا المرشد الأعلى . فلماذا تم تغيير مكان إقامته هذه المرة ليقيم في مبنى للمحاربين القدامى ؟

أرى ان صفقة ما قد تمت ، وان طرفاً آخر قد قدّم هنية للكيان كهدف كبير للتغطية على فشله في غزة ، وللتخفيف من ضربة العدو لحزب الله . وربما ان هذا الطرف هو ايران التي إستضافت هنية . وتاريخ ايران في الغدر مشهود ومعروف ولا شك فيه . فقصة /  كسرى أبرويز الثاني ملك الفرس الذي كان صديقاً حميماً للملك / موريس ملك البيزنطيين ، إذ كان قد لجأ اليه عام ٥٩٠ ميلادية ، بسبب مؤامرة داخلية في الامبراطورية الفارسية ، وقد عاونه موريس بجنوده لإستعادة العرش ، لكنه تخلى عنه عندما سقط عرشه على يد / فوكاس .

كما ان شكوكاً قد أحاطت بمقتل / قاسم سليماني على يد الإمريكان ، حيث قيل ان ايران تهاونت مع الأمريكان لإغتيال سليماني وفق صفقة كبيرة تمت بينهما ، توافقت مع تذمر بعض الشخصيات في القيادة الايرانية العليا من أن شخصية سليماني قد طغت وانه لابد من الخلاص منه . فقدمت ايران قائدها العسكري الخطير ، الذي تفاخر بانه يحكم اربعة عواصم عربية ، قرباناً للأمريكان ضمن صفقة بينهما . كما ان اسباب سقوط طائرة الرئيس الايراني السابق رئيسي ووفاته ما زالت مبهمة ولم توضح ايران ذلك رغم مرور عدة شهور ، وقيل فيها ما قيل واغلب التحليلات كانت تشير الى انه حادث مدبر داخلياً .

ما يتم في السياسة يختلف تماماً عما يتم في العلاقات الانسانية العادية بين البشر ،ففي السياسة قد يتحول المسؤول الى وحش كاسر في موقف ما يتخلى فيه عن انسانيته ، لا بل ينفصم وينسى او يتناسى انه انسان أصلاً .

عبر التاريخ الإنساني ، لم تهدأ ايران ، ولم يهنأ جيرانها بسلامٍ معها ، لانها دولة طامعة متجبرة متغطرسة معتدية ، وحاقدة على العرب الذين أسقطوا كسرى وكسروا أنف امبراطوريتهم . لكنها بنفس الوقت دولة متفردة ومتميزة في عنادها ،  وطول نفسها في تحقيق اهدافها ، كما انها باسلوب التقية المترسخ على مستوى الأفراد كما السياسات العامة فانها من السهل ان تتقرب لأحد أعدائها وتدعمه وتسانده موهمة اياه بأنها معه لتحقيق أهدافه ضد طرف آخر  ، والطرف الآخر يكون صديقاً لها في الخفاء .

لاحظوا معي ان العدو لم يعلن عن اغتياله لهنية . وجريدة نيويورك تايمز تقول ان الاغتيال تم بقنبلة ذكية زُرعت تحت سريرة . كما ان جيش العدو صرح بانه لم يشن غارة جوية على ايران في يوم الإغتيال . ثم كيف علمت الاستخبارت الإسرائيلية بغرفة هنية فزرعت القنبلة ؟

كل ما ذُكر اعلاه يقود الى ان هناك تهاوناً ايرانياً ان لم يكن تعاوناً وتنسيقاً مع العدو ، وذلك استناداً للاسباب التالية :—

أولاً :— لماذا تم تغيير إقامته المعتاد لدى الحرس الثوري وعدم تشديد الحراسة عليه كالمعتاد ؟

ثانياً :— اكثر من تقرير أشار الى كيفية معرفة العدو بالغرفة التي سينام فيها منذ شهرين ويتم زرع القنبلة  ويتم تفجيرها عن بعد ، بعد التأكد من ان هنية قد نام في سريره ؟

ثالثاً :— هل من المنطق ان لا يتم تفحص وتفتيش الغرفة التي سيقيم فيها شخصية بهذا الوزن ؟ فاذا كان تغافلاً فهذا يدل على تهاون وتعاون حدّ التنسيق مع العدو . والتحليل المنطقي الآخر فانه يدل على ان هناك إستهتاراً . مما يدل على ان ايران دولة متآكلة متهالكة من الداخل ودرجة الحذر والتحوط منخفضة جداً ان لم تكن غير موجودة .

رابعاً :— أفادت بعض المصادر ان إقامة هنية يحددها المرشد الأعلى منفرداً ، اذا كيف تم الإختراق على هذا المستوى ؟ ومن الذي تمكن من معرفة المعلومة وتسريبها ؟

كلما تعمقت في التحليل يضعف الموقف الايراني مما يثير الشكوك ويفتح الباب على مصراعيه للتأويل والإجتهاد . أنا لا أوجه إتهاماً مباشراً وصريحاً الى ايران ابداً . بل أطرح إستفسارات وأسئلة من منطلق كوني مواطن عربي ، يتساءل ان أسباب إغتيال مواطن عربي ، في بلد غير عربي ، يفترض ان عدوهما مشترك ، مما يستوجب أخذ أقصى الإحتياطات تجنباً لإقتناص العدو فرصة النيل من عربي ، والمسّ بهيبة دولة إستضافته .

ايران ، قد تدعمك لحد توريطك ، الذي يوصل لقتلك . كما أرى ان هذا الحدث الكبير

لن يتم دون مساعدة امريكية استخباراتية .

وأخيراً هل الرد سيكون بحجم الحدث الذي استهدف قيادياً في حماس ، ومسّ هيبة ايران كون الاغتيال تم على  اراضيها ؟ أظنه سيكون رداً شكلياً محدوداً ، حيث اعلنت ايران انها لن تستهدف مواقع مدنية بل اهدافاً عسكرية محددة . وأفهم من كلمة محددة انه سيتم الإتفاق عليها مسبقاً مع العدو ، والغاية ذر الرماد في عيون من يعتبرون ايران مدافعاً عن القضية الفلسطينية  . ويبدو ان هنية ذهب ضحية لصفقة بين طرفين يُظهران العداء ، ويبطنان الإخاء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى