بايدن واتفاق “الفرصة الأخيرة”

خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

طرَح الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحا إسرائيليا من أجل عقد اتفاق بشأن صفقة رهائن بين إسرائيل وحركة حماس؛ ويستنسخ المقترح الجديد أجزاءً من المقترح السابق الذي رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل شهر تقريبا، وقام بعد ذلك باجتياح واحتلال معبر رفح ومحور فيلادلفيا مع مصر.

ينقسم المقترح الإسرائيلي إلى ثلاث مراحل، تمتد كل منها حوالي ستة أسابيع؛ بحيث يتم خلال المرحلة الأولى إطلاق سراح الأسرى والرهائن الإسرائيليين مقابل وقف شامل لإطلاق النار، ويتم التفاوض على وقف كافة الأعمال العدائية في المرحلة الثانية، ثم عودة النازحين وبدء الإعمار في المرحلة الثالثة.

وبالرغم من أن بايدن قد أعلن في خطابه أن المقترح سوف يفضي إلى وقف كامل ودائم لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، فإن نتانياهو قال بأن ما طرحه بايدن غير دقيق ومختلف عن جوهر المقترح الإسرائيلي، مشدداً على أنه لن يوقف الحرب حتى يتم القضاء على حركة حماس واستعادة الرهائن؛ ولذلك فقد أثار خطاب بايدن حالة من الفوضى والانقسامات داخل إسرائيل، بين من يريد وقف الحرب ومن يريد استمرارها لأهداف شخصية وسياسية. ويعود الخلاف بين بايدن ونتانياهو فيما يخص اتفاق الرهائن لاختلاف الرؤى والتصورات والحسابات بين الرجلين؛ فبايدن يريد وقف الحرب بأي شكل، ولو مؤقتا، بينما يريد نتانياهو مواصلتها.

وتعود حسابات بايدن إلى عدة أمور أهمها ما يتعلق بالحسابات الانتخابية، حيث تراجعت شعبيته بشكل كبير على مدار الأشهر الماضية، ووصلت إلى أدنى مستوياتها حسب استطلاع أُجرى الأسبوع الماضي لوكالة رويترز، أظهر أن شعبية بايدن قد وصلت إلى حوالي 36%، وهى الأدنى له منذ عامين. بالإضافة إلى ذلك فإن الرئيس السابق دونالد ترامب يتقدم على بايدن في السباق الانتخابي، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل ميتشغان وبنسلفانيا وجورجيا ونيفادا وكارولينا الشمالية وويسكنسون، وهي ولايات حاسمة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك رغم مشاكل ترامب القضائية والجنائية؛ ومن هنا يحاول بايدن استعادة بعضٍ من شعبيته المتهاوية، خاصة في الأوساط العربية والمسلمة بأميركا، عبر الدعوة لوقف إطلاق النار.

ثانياً، يسعى بايدن لوقف الحرب لاعتقاده أن بإمكانه إنجاز صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل، بحيث يتم تقديمها للداخل الأميركي بوصفها إنجازا في السياسة الخارجية، خاصة مع إخفاقاته الكثيرة في ملفات السياسة الخارجية، سواء الملف الصيني أو الملف الروسي – الأوكراني أو الملف الإيراني أو الملف الأفغاني.. وذلك رغم رفض السعودية لأي تطبيع قبل وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، والأهم هو الالتزام بإقامة دولة فلسطينية.

ثالثاً، يحاول بايدن الضغط على نتانياهو من خلال الإعلان عن مقترح الرهائن وزيادة الخلافات داخل حكومته، بهدف إجباره على قبول الاتفاق حتى تنتهي الأزمة ويتفرغ بايدن لحملته الانتخابية. وثمة شعور لدى بايدن بأن نتانياهو يتآمر عليه مع الجمهوريين في الكونجرس الأميركي من أجل الإطاحة ببايدن لصالح ترامب؛ وهو ما يبدو صحيحا مع ذلك الدعم المطلق الذي يقدمه الجمهوريون لنتانياهو، سواء فيما يتعلق بالدعم العسكري، أو الموقف المتشدد من المحكمة الجنائية الدولية، أو فيما يتعلق بدعوة نتانياهو للحديث أمام الكونجرس الأميركي بغرفتيه (النواب والشيوخ).. بمعنى آخر، لا توجد ثقة مطلقا بين بايدن ونتانياهو، ولذلك أعلن بايدن عن المقترح الإسرائيلي على الملأ وأمام العالم كي يحشر نتانياهو في الزاوية.

وأخيراً، يريد بايدن وقف الحرب من أجل التفرغ للمواجهة المحتملة مع روسيا، خاصة بعد ما أٌشيع عن موافقة أميركا على استخدام أوكرانيا للأسلحة الأميركية لمهاجمة أهداف داخل روسيا، وهو ما قد يشعل معركة عسكرية بين روسيا والغرب، خاصة الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين.

في المقابل، فإن نتانياهو لديه تصورات وحسابات مختلفة تماما عن تصورات وحسابات بايدن؛ فهو من جهة يريد البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة وبأي ثمن، لذلك فمسألة إنهاء الحرب غير واردة في ذهنه، لأنه يعلم جيداً أنه سوف يحاسَب ويعاقب على كثير من المسائل، سواء فساده المالي، أو إخفاقه في منع هجمات السابع من أكتوبر، أو فشله في تحقيق أي نصر عسكري خلال الحرب الحالية.

ثانيا، يريد نتانياهو استعادة جميع الرهائن والأسرى دون أن يدفع ثمنا لذلك، سواء فيما يتعلق بوقف الحرب نهائيا، أو الانسحاب الكامل من قطاع غزة؛ ولذلك فهو يطلب ضمانات من أميركا من أجل السماح له باستئناف القتال حتى بعد إنجاز صفقة الرهائن.. وثالثا، يسعى نتانياهو لإسقاط بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام ترامب، لاعتقاده بقدرته على استغلال حماقات ترامب في تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والشخصية.

باختصار، فإن بايدن ينظر للمقترح المعروض حاليا باعتباره اتفاق الفرصة الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية، وأنه بمثابة طوق النجاة الوحيد الذي قد ينقذ مستقبله السياسي ويمنحه دورة رئاسية جديدة، وهو ما يحاول نتانياهو أن يحرمه منه.

alarabblog

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى