الجامعات الرسمية .. في محنة مالية
صروح العلم ، التي تصقل الأجيال ليقودوا الوطن ، جامعاتنا الوطنية الرسمية عامة ، وجامعتي مؤتة ، وجامعة اليرموك خاصة تفلسان لا بل تحتضران مالياً لدرجة انهما اصبحا غير قادرتين على دفع رواتب العاملين فيهما . مؤتة السيف والقلم التي شُيدت كهبة من الشهيد الحي / صدام حسين ، وفي عصر رجل كل العصور المرحوم / الحسين بن طلال . وجامعة سهل حوران الممتدة على الجناح الشمالي لأردننا الحبيب ، الصرح الذي شيده المرحوم الحسين بن طلال تعاني الأمرين مالياً . اذا لم يتم الاهتمام وانصاف هاذين الصرحين العلميين ، بمن يجب الأهتمام !؟
الحكومات الاردنية المتعاقبة — ولا أستثني واحدة منها — كلها شاركت في دمار جامعاتنا الرسمية بشكل خاص ، وجامعاتنا الخاصة بالتخبط في سياسة التربية والتعليم الثانوي والعالي . لكن دمار الجامعات الرسمية أكبر ، واليكم الأسباب بشكل واضح ومختصر ومباشر :—
١ )) هناك دينار لدعم الجامعات الذي يدفعه المواطن منذ عقود طويلة . كان الهدف منه دعم الجامعات . وقد صدر بنظام خاص ، ويتم توزيعه على الجامعات الرسمية بنظام خاص . وحسب النظام لا يدخل موازنة او مالية الدولة . أي يتم ايداعه في حساب خاص ويوزع على الجامعات مباشرة . هذا الحساب وصل تجميع المبالغ فيه الى ( ١٨٠ ) مليون دينار قبل سنوات . وإجتهد احد رؤساء الوزارات وحوّله الى مالية الدولة الاردنية . وكانت نتيجة هذا الاجتهاد الخاطيء : خسارة الجامعات الرسمية للمبلغ : يضاف الى ذلك خسارة الجامعات لاستقلال قراراتها كلياً .
٢ )) كافة الجهات التي لديها مكرمات ، جهات المكرمات لا يدفعون شيئاً على الاطلاق ، فتحملت الجامعات تلك المكرمات الى ان أُنهكت . وللعلم تشكل المكرمات ما نسبته حوالي ( ٦٠٪ ) من حجم القبولات وحجم الطلبة في المحصلة النهائية .
٣)) تعاني الجامعات الرسمية من تحملها قبولات ما يسمى درجة ( الجسيم ) ويُعنى بها ابناء الجرحى من جيشنا العربي الباسل وأجهزتنا الامنية التي نقدر ، حتى اصبحت اعدادهم كبيرة ولا تتحمل اية جهة اية كُلف ، فتتحمل الجامعات الرسمية كلف الطلبة كاملة .
أسباب الكلف اعلاه هي التي أنهكت موازنات الجامعات الرسمية ، لدرجة اوصلتها الى :—
أ )) تحمل مديونيات بعشرات الملايين من البنوك التي تنهكها وتتضاعف مديونيتها بالفوائد.
ب )) وصول الجامعات الى حد عدم قدرتها على دفع مستحقات الضمان الاجتماعي ، مما ادى لتراكم المبالغ المستحقة للضمان .
ج )) وصول الجامعات الى عدم قدرتها على دفع الضرائب التي تترتب على العاملين ، حيث تستقطع الجامعات الضريبة من العاملين وتنفقها ، مما ادى الى تراكم مديونية تلك الجامعات لصالح الضريبة .
د )) وصلت الجامعات الى عدم قدرتها على دفع ما يترتب عليها — جامعة مؤتة خاصة — الى الخدمات الطبية .
ه )) وها قد وصل بها الأمر الى عدم قدرتها على دفع رواتب العاملين فيها .
كيف يستطيع الأستاذ الجامعي ، والاداري العامل في الجامعة الابداع في عملة والاخلاص به وهو مدين للبنوك بالاضافة للكمبيالات ، وأقساط المدارس والجامعات تنتظره كل آخر شهر !؟
عُين صديقي البروفيسور الطبيب الجراح الدكتور / كمال الدين بني هاني رئيساً للجامعة الهاشمية ، وكانت مديونيتها بعشرات الملايين ، وادار الجامعة بكفاءة ونزاهة ودراية متميزة خلال مدة رئاسته ، وتركها بدون أية ديون ، لا بل وفي فترة كورونا قدّم لموازنة الدولة العامة حوالي ( ٢٨ ) مليون دينار ، وفاتورة المياة ( صفر ) ، وفاتورة الكهرباء ( صفر ) ليس هذا فقط ، بل كان فائض الكهرباء المنتجة يرفد خزينة الجامعة بحوالي ( ١ ) مليون دينار اردني سنوياً .
الإختلالات طالت كل جنبات الوطن ومؤسساته ، لذلك الإنحدار يتسارع بشكل مُرعب ومُخيف ، لكن الى متى !؟ خاصة مع انتفاء اية مؤشرات إيجابية تعيد للوطن نهجه المتميز الذي كان عليه ، وتعيد له ألقه بين أقرانه ، والخوف على مستقبله وجودياً ، ومواطنه حياتياً !؟