الإستقلال .. أم عودة .. الإستعمار
عوض ضيف الله الملاحمه
تبتهج الأوطان عندما تتحرر من الإستعمار البغيض الذي يكون جاثماً على صدرها مما يتسبب في ألمها ، وتخلفها ، وسلب حريتها ، ونهب خيراتها ، وفقدها لإستقلالية قراراتها ، وحرية شعوبها . فيصبح يوم جلاء الاستعمار يوماً مقدساً وعيداً تزهو به الأوطان وتبتهج الشعوب ، ويصبح يوماً إحتفالياً مهيباً يُحتفل به في كل عام .
واقطار الوطن العربي بكليتها عانت من الإستعمار ، لا بل كانت مركزاً ومنطلقاً للدول المستعمِرة كبريطانيا ، وفرنسا ، وغيرها . وشاءت الأقدار ان يستيقظ الشعب العربي من المحيط الى الخليج وينتفض ضد الدول التي استعمرته ، وتحررت اقطار الوطن العربي بمجملها خلال عقود الأربعينات ، والخمسينات ، وستينات القرن الماضي .
لكن إهتمام الغرب وطمعه في موقع الوطن العربي الإستراتيجي المتوسط بين قارات العالم ، إضافة الى ثرواته الطبيعية الكثيرة واهمها النفط ، هذا الإهتمام لم يخفت أبداً . مما إضطر دول الغرب لتغيير إسلوبها الإستعماري الى أسلوب يتناسب مع المرحلة ، فقولبت الانظمة ، وشكلتها كما تريد ، وربطت إستمرار الإستعمار بضمان إستمرار الأنظمة الرسمية العربية .
وعملت دول الغرب المستعمِرة بخبث شيطاني عندما ربطت مصير بقاء الانظمة ببقاء إستعمار الأقطار لكن بشكل إستعمار جديد ، مختلف الأشكال لكنه يضمن إستمرار الهيمنة والتبعية ، والأهم ضمان إستمرار تخلف تلك الاقطار .
ومما يؤسف له انه لا يوجد قطر عربي يخلو من القواعد العسكرية لدول الغرب وامريكا . وعليه : ألا تنتقص تلك القواعد من سيادة تلك الأقطار !؟ وما هي الغاية من وجودها !؟ الا يعتبر وجود قواعد لتلك الدول المستعمِرة المعادية لكل العرب تهديداً بحد ذاته !؟ وكيف نلجأ لأعدائنا طالبين الحماية !؟ وما هو الخطر الذي يهددنا أكثر من تدنيسهم هم لطهر تراب تلك الأقطار ؟
أرى ان طلب الاقطار العربية الحماية من اعدائها ينطبق عليها المثل العربي القائل (( كالمستجير من الرمضاء بالنار )) .
هذا عدا عن استغلال ثروات الاقطار العربية وخاصة النفط . يضاف لذلك سيطرت تلك الدول المعادية على المنافذ والمضائق البحرية .
الاستقلال يكون واقعاً معاشاً عندما يكون الوطن مزنراً بجيشه واجهزته الامنية وان يكون تراب الوطن طاهراً لا يطأه لا عدو ولا حليف . وعندما تكون سيادتك مصانة على ارضك وسمائك وقراراتك واستراتيجياتك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسيادية مصانة تنبع من ذات الأقطار دون تدخل خارجي بالمطلق .
ما يحزنني ان الإستعمار قد عاد وهيمن على كل الأقطار العربية لكن بثوب وأشكال جديدة تم تفصيلها على كل قطر ليتناسب مع الدور المطلوب منه تجاه المستعمِر .
وهل من المنطق ان تعتبر اي دولة نفسها مستقلة وتحتفل بعيد استقلالها وهي لا تملك قرارها السيادي ، وترابها وأجوائها ملوثة بأقدام الأعداء الأجانب المُحتلين الجُدد !؟
وأختم ببيتين للشاعر اليمني العظيم المرحوم / عبدالله البردوني ، كفيف البصر ، حاد البصيرة حيث قال:—
فظيعٌ جهلُ ما يجري / وأفظعُ منه ان تدري
وهل تدرين يا صنعاء / من المستعمر السري .