رامافوزا .. فُزْتَ .. كما النجاشي .. في زمن الخذلان العربي

عوض ضيف الله الملاحمه

ماذا يكون شعورك عندما ينتصر لك الغريب ، ويتخلى عنك القريب ؟
وهل عندما يناصرك الغريب ، يبقى غريباً ، ومن يخذلك من أبناء جلدتك يبقى مُقرباً ؟ انا لا أؤمن بالمثل الشعبي الذي يقول ( الأقارب عقارب ) على المستوى العائلي ، مطلقاً . لكنني أؤمن به إيماناً راسخاً على مستوى الدول والحكومات والأنظمة العربية تحديداً .

ها هي تتكر ر نفس الحادثة التاريخية الهامة ، لا بل المتفردة والمتميزة بعد اكثر من ( ١,٤٠٠ ) عام ، عندما خذل العرب عامة ، وقبيلة قريش خاصة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام . وعندما إشتد البلاء على الرسول وأصحابه في مكة . ولما عزّ عليه ما كان يقع عليهم من الأذى . وجههم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وقال قولته المشهورة : [[ لو خرجتم الى أرض الحبشة ، فإن بها مَلِكاً لا يُظلم عنده أحداً ، وهي أرض صدقٍ ، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما انتم فيه ]] . لله درك يا سيدي يا رسول الله . وكانت كلماته بمثابة الإذن لِمجموعةٍ من حوالي ( ١١٦ ) شخصاً من مستضعفي مكة الذين أسلموا حديثاً ، بالهجرة الى أرض الحبشة التي كانت تضم ( أثيوبيا، وإريتيريا ، والصومال ) وكانت تسمى آنذاك ( مملكة أكسوم ) ، حتى يأمنوا على انفسهم ودينهم من بطش قريش في مكة . وكان / أصحمة بن أبجر النجاشي هو الملك الذي قصده سيدنا محمد بأنه لا يُظلم عنده أحد .

وقصة هذا الملك العادل / أصحمة بن أبجر النجاشي ، الملك العادل ، تتلخص بما يلي :— حدثت فصول هذه القصة قبل عام ( ٥٦٠ ) ميلادي . فهو ينحدر من سلالة ملوك في امبراطورية قوية مترامية الأطراف ، وكان الولد الوحيد لأبيه أبجر . والنجاشي أصلاً لقباً وليس إسماً . حيث كل من حكم الحبشة كان يلقب بالنجاشي . كلقب هرقل لملك الروم ، او لقب كسرى لملك الفرس . وتخبرنا كتب السيرة عن النجاشي وأسرته انه كان له إسمان إشتهر بهما أولهما : النجاشي ، وثانيهما : أصحمة . ونشأ النجاشي سليل أسرة أكسوم الملكية ، في قصر أكسوم مركز الإمبراطورية ، وذلك بعد ( ٣٠٠ ) سنة من قيامها ، في بيئة متحضرة متدينة ، وكان يعتبر من كبار علماء الديانة المسيحية.

وكان بين الحبشة والحجاز علاقات وثيقة على جانبي البحر الأحمر . وكان أصحمة ذا شخصية قوية ، وجادة . وكان متفرداً في صفات القيادة في الأسرة الملكية . وإستطاع بحكمته ان يجمع ما تناثر من المملكة ، فوحّد أجزائها ووسّع حُكمه ، وكان محبوباً لدى الشعب ، لكفاءته ، وعدلِه ، وحُسن إدارته للمملكة . وفي عهده ازدهرت الحبشة إقتصادياً ، وكانت تصدِّر منتجاتها من ميناء أدولوس ، الى ميناء الشعيبة جنوب الحجاز ، ومن هناك الى باقي مناطق الجزيرة العربية . لذلك نشأت علاقة متميزة على جانبي البحر الأحمر بين مملكة أكسوم وعرب الجزيرة العربية . فالمسافة كانت قريبة لا تستغرق أكثر من يومين بالقوارب والسفن . وتجارة العبيد من أهم مظاهر هذه العلاقة . فسيدنا بلال ، واحد من أشهر أتباع سيدنا محمد ، وكان مؤذنه وأقرب الناس اليه . وهناك الكثير من الصحابة كانت أصولهم من الحبشة ، وتقلدوا مناصب مهمة في الدولة الإسلامية لاحقاً .

دخل المسلمون أرض الحبشة آمنين ، واستقروا فيها دون ان يتعرض لهم أحد . وقد روى الإمام احمد في المسند من حديث أم سلمة زوجة النبي انها قالت : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ، فآمننا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى ، لا نؤذى ، ولا نسمع شيئاً نكرهه . ولما بلغ قريشاً امر استقرار المسلمين في الحبشة ، ضاقت بذلك ذرعاً ، فأرسلت في أثرهم عمرو بن العاص ، لمعرفته السابقة بالنجاشي ، ولفصاحته ، وقوة بيانه . فطلب من الملك النجاشي ان يردهم معه دون ان يكلمهم او يسمع منهم ، لكن النجاشي رفض ذلك ، وقال : لا أسلمهم حتى أسمع منهم . ثم ارسل للصحابة وأذن لهم بالكلام في مجلسه . فقام جعفر متحدثاً باسم المهاجرين : أيها الملك : كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش .. الخ . فرد النجاشي : إن الذي جاء به نبيكم والذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة ، إنطلقوا ، فوالله ياعمرو لا أسلمك إياهم أبداً . توفي النجاشي في حياة نبينا محمد ، فنعاه النبي ، وصلى عليه بالناس صلاة الغائب .

وها قد أعادها فخامة رئيس جنوب افريقيا / سيريل رامافوزا ، البطل ، المقدام ، بوقفته الفارقة ، والمتميزة ، والشجاعة ، عندما خذل النظام الرسمي العربي غزة خاصة وفلسطين عامة . ويزداد الألم عندما نعلم بماذا خذلوها !؟ خذلوها الخذلان الكبير المُعيب بعدم إسنادها في حربها الإبادية الضروس ضد العدو الصهيوني ، والتي زادت عن ( ١٠٠ ) يوم ، ولم يحرك النظام الرسمي العربي ساكناً . ثم خذلوها بعدم تجرئهم على التقدم بشكوى — مجرد شكوى — أمام محكمة العدل الدولية ، ضد العدو الصهيوني الذي دمر غزة عن بكرة أبيها لدرجة انها أصبحت لا تصلح للحياة ، وقتل وجرح عشرات الألوف ، ولم يرف جفن النظام الرسمي العربي ، بل ما زالوا غارقين في المحرمات والموبقات بكافة أشكالها .

شكراً فخامة الرئيس / سيريل رامافوزا ، لقد فزت بالناموس ، دونت اسمك في صفحات التاريخ البطولي المُشرف الناصع الذي ستذكره كل الخليقة بكل الفخر والإعتزاز . وهذا الموقف الشهم ليس مستغرباً من بلد المناضل المتفرد فخامة المرحوم الرئيس نيلسون مانديلا ، الذي قضى في السجن قرابة ال ( ٣٠ ) عاماً وهو يناضل ضد الفصل العنصري .

ولا أُخفي إعجابي بإعتذار جنوب افريقيا عن قبول أية مساعدة من الدول العربية في الترافع امام محكمة العدل الدولية ، بإستثناء الأردن بمرافعة تقدم بها دولة / عون الخصاونة .

خسىء كل جبان خَوّار خسيس ، من الذين تخلّوا عن قضيتهم بكل خسة ونذالة . مما إستدعى لبطل جسور افريقي ان يشرب فنجان فلسطين ، ويقوم بدور كان من المفترض ان يقوم به أهل الضحية . وهنا اتضح الفرق الشاسع بين الشهامة ، والنذالة . لقد فزت سيادة الرئيس/ رامافوزا ، كما فاز النجاشي ، الذي نذكره بفخرٍ بعد أكثر من ( ١٤٠٠ ) عام . وخسىء كل خوّار جبان رعديد خسيس .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى