عدنان نصار
الأيام القليلة الماضية، وضعت الإنسان الأردني في أزمة، وهي لا شك ازمة تضاف إلى جملة الأزمات التي يعاني منها الإنسان الأردني منذ سنوات، ويسعى للبحث عن حلول وازنة تحفظ الحق والحد المعقول من شروط الحياة اللائقة.
لست بصدد الحديث عن أزمات الفقر والبطالة، والرواتب المتدنية مقارنة مع غلاء مستعر ..ولست بصدد الحديث ايضا عن منظومة التشلل والتكولس للاستحواذ على مكاسب ومناصب واعطيات.
ما يهمنا هنا، الحديث عن انشغال النخب والعامة، واشتعال وسائل التواصل الاجتماعي بمشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الاردن، والذي ان تم اقراره سيكون عادما للطاقة والفكر والنقد الهادف إلى التقويم، بل وسيتعدى الأمر إلى ما هو أكبر من ذلك كمحصلة طبيعية لمشروع قانون يسعى إلى اغتيال الحناجر، واسكات للاصوات التي تنطق بلسان الضمير الوطني الناقد، دون انتظار لمكاسب او مناصب او اعطيات ..مشروع قانون جديد يحاكي الجرائم الإلكترونية بروح نحمل معطيات جديدة وخطيرة لا تتفق مع أدنى شروط حرية التعبير والتفكير، إذ سيتحول الاردن إلى سجن مفتوح وغرامات مالية كبيرة في حال إقرار القانون..
على مدى الأيام الفائتة،انتظرنا (صحافة،وثقافة، ونقابة، وأحزاب ..وكل القوى الحية ) ان يجيء الفرج والتراجع عن مشروع قانون جائر وظالم، غير أن الحكومة ماضية في تمرير مشروع القانون، بمباركة مأسوف عليها من أعضاء من مجلس النواب،الذي يفترض ان يكون الحصن والملاذ للدفاع عن الحريات ..لكن، الصدمة كانت أعنف حين دافع نواب عن مشروع القانون إياه، بل وحثوا على تمريره للحكومة.
التوجه الرسمي (الحكومة) في هذا المسار، وضع المسار الشعبي وقواه الحية أمام اختبار في زاوية اعتبرها سباق مع الزمن ومحاولات شعبية وحزبية ونقابية وصحافية،وثقافية بمبادرة جاءت من حزب العمال الاردني ومشاركة 9 احزاب سياسية أخرى، ومساعدة ومساندة كبيرة للمبادرة من شخصيات وازنة ومؤثرة في مواقع العمل الوطني والتطوعي .
يبدو أن التوجه الرسمي القرار القانون يحظى بدعم خفي من شخصيات نافذة في الاردن، وبدعم مماثل من جهات رسمية التقيا معا بهدف واحد :”تكميم الافواه،وقصقصة أجنحة الناقدين” ..وعلى الأغلب ان التقارير التي وضعت على مكتب الملك عبدالله الثاني قد هولت امر النقد على “السوشيال ميديا ” محاولة هذه الجهات استمالة الملك إلى جانبهم لوضع حد وفق وصفهم لسيل الناقد الذي طال أغلبية المسؤولين وأداء عملهم.
حجم المعاناة اذا تم تمرير هذا القانون سيكون مؤلما وكارثيا بلا شك على كافة مكونات المجتمع وخاصة النخب السياسية والصحافية والاجتماعية والاقتصادية ..نقول مؤلما، لأن المساحة التي يمتلكها الإنسان الأردني ستتقلص ان لم تنعدم في حرية تعبير ملتزم كفله الدستور، واقرته كل الشرائع السماوية والأرضية، لطالما ان التعبير بكل صيغه ومفرداته يخلو من العنف، والكراهية، والتطرف ..لكن هذا ليس وارد في بال الشخصيات النافذة التي تحاول الاستبسال لاقرار القانون، دفاعا عن مصالحها،وتحصين لمواقعها ..فما يحتاجونه هو حصانة مطلقة، ربما في ظنهم تتساوى مع حصانة (الملك) وهذا امر غير معقول ولا هو مقبول.!!
ما زال أمام الجانب الرسمي متسع من الوقت على ضيقته، كون مشروع القانون اخذ صغة الاولوية والاستعجال..ثمة متسع من الوقت لان تمتلك الحكومة الجرأة في اعترافها بخطأ مشروع القانون وتنراجع عنه .. المناخات الشعبية الاردنية تنتظر مثل هذا الاعتراف رغم ضآلة الأمل بهذه الحكومة، والمناخات ذاتها مهيئة أيضا لوقف اي تصعيد مقبل من قبل أحزاب ونقابات وقوى صحفية تقود النقاشات المتعلقة بمشروع قانون يعد من اسوأ القوانين في مسيرة الاردن.
الأمر مطروح، ويستوجب إعادة النظر رسميا، لوقف نزف الحرية لشعب يحاكي السوشيال ميديا بنقد بناء، ولغة راقية بعيدة عن السباب والشتائم .
على ضوء هذه المعطيات، لا بد من “البسالة” الرسمية لوقف هذا القانون، أمام حالة من البسالة الشعبية لا تمتلك الا لغة الرقي والسلام وبهما يتحصنان ليبقى الوطن ملك الجميع، وفضاءه مفتوح دون قيود.
زر الذهاب إلى الأعلى