الدكتور محمد الهواوشة يكتب:سوريا بعد الأسد: بين الآمال والتحديات
الدكتور محمد الهواوشة
مقدمة
لطالما كانت سوريا قلب العروبة النابض، وطنًا للحضارة والتاريخ ومهدًا للتنوع الثقافي والديني. إلا أن عقودًا من الحكم الاستبدادي قوضت طموحات الشعب السوري وأغرقت البلاد في دوامة من القمع، الفقر، والحروب. مع اقتراب عقارب الساعة من لحظة فاصلة في تاريخ سوريا، يبرز السؤال الأهم: ماذا ينتظر سوريا بعد الأسد؟
إرث الأسد: قيود الماضي وتحديات المستقبل
ورث الشعب السوري تركة ثقيلة من نظام الأسد؛ اقتصاد منهك، مؤسسات متهالكة، وشعب منقسم بين نزوح داخلي ولجوء خارجي. هذا الإرث لا يمكن تجاوزه بسهولة، إذ إن النظام لم يكتف بتقييد الحريات، بل أسس بنية سلطوية تعتمد على تدمير المؤسسات المدنية والعسكرية لصالح الولاء الشخصي.
بعد سقوط النظام، ستواجه سوريا تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، تتمثل في:
1. إعادة بناء الدولة: المؤسسات السورية بحاجة إلى إعادة هيكلة تامة لضمان استقلاليتها ونزاهتها بعيدًا عن أي نفوذ فردي أو أيديولوجي.
2. الوحدة الوطنية: ترميم النسيج الاجتماعي الممزق بين الطوائف والأعراق المختلفة سيكون ضرورة لضمان استقرار دائم.
3. العدالة الانتقالية: لا يمكن تجاهل الجرائم التي ارتكبت خلال عقود، وسيكون من المهم تطبيق العدالة الانتقالية بطريقة تعزز المصالحة بدلًا من تأجيج الصراعات.
دور القوى الإقليمية والدولية
لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا دون الإشارة إلى القوى الإقليمية والدولية التي باتت تتحكم بمناطق النفوذ على الأرض السورية. روسيا، إيران، تركيا، والولايات المتحدة، جميعها أطراف رئيسية في المعادلة السورية.
التحدي الأكبر سيكون ضمان استقلال القرار السوري عن هذه القوى. سيحتاج السوريون إلى فرض إرادتهم الوطنية عبر حكومة انتقالية تمتلك رؤية واضحة وقيادة قوية، قادرة على التفاوض بذكاء مع المجتمع الدولي لتحقيق المصالح الوطنية دون المساس بالسيادة.
فرصة تاريخية لتحطيم إرث “سايكس-بيكو”
قد يكون سقوط الأسد فرصة نادرة للسوريين والعرب على حد سواء لتجاوز إرث “سايكس-بيكو” وإعادة تعريف حدود الوحدة والهوية. يمكن أن تكون دمشق نقطة الانطلاق لمشروع عربي جديد يعيد ترميم ما هدمته التدخلات الأجنبية، ويوحد الأمة حول قيم العدالة، الكرامة، والتنمية.
مخاطر التقسيم والتجزئة
ومع ذلك، يبقى خطر تقسيم سوريا قائمًا، خصوصًا مع تعدد الأطراف المتصارعة. التجارب السابقة في العراق وليبيا أظهرت أن غياب رؤية واضحة بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية غالبًا ما يؤدي إلى فوضى وصراعات جديدة. المطلوب هو خارطة طريق وطنية شاملة تتضمن:
حوار وطني يضم جميع الأطراف دون إقصاء.
دستور جديد يضمن حقوق الجميع.
خطط اقتصادية لإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين.
خاتمة: سوريا الأمل والمستقبل
سوريا بعد الأسد ليست مجرد مرحلة سياسية جديدة، بل اختبار لإرادة السوريين في بناء وطن حر وديمقراطي. رغم صعوبة المهمة، فإن التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص إذا تضافرت الجهود الوطنية والإقليمية.
يبقى الأمل أن تكون سوريا القادمة مثالًا للعدالة والوحدة، وأن تتحول آلام الماضي إلى قوة تدفع شعبها نحو مستقبل مشرق ومستدام.