تداعيات فوز ترامب على السياسات الخارجية للشرق العربي

كريستين حنا نصر

فوز ترامب بالرئاسة الامريكية مؤخراً كان فوزاً كاسحاً مقابل المرشحة هاريس، حيث ربح بفارق كبير ، اضافة إلى سيطرة واضحة لحزب الجمهوريين على مجلسي الشيوخ والكونغرس الأمريكي، نجاح تاريخي فسياسة ترامب تختلف جذرياً عن سياسة بايدن وهاريس ، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية ، عندما يقرر ترامب فإنه ينفذ وبسرعة حاسمة ، خاصة فيما يتصل بالوضع الامريكي الداخلي الاقتصادي ، كذلك فيما يخص الوضع الخارجي الاقتصادي والأمني فهو دائماً يسعى للسلام.
في فترة بايدن مقارنة مع سياسة بايدن الاقتصادية، لم يكن ما نشاهده اليوم من هذا الغلاء موجوداً ، حيث كانت نسبة الغلاء في أمريكا تبلغ حوالي 1.4% ، وعند مقارنتها بالنسبة في فترة بايدن نجد أنها بلغت اليوم حوالي 9% ، مما يشكل عبئاً كبيراً على المواطن الأمريكي ، وقد انعكس هذا الغلاء سلباً على العالم أيضاً ، حيث منع بايدن من إنتاج النفط الأمريكي ، اذ يوجد لديهم مخزون يمثل الاحتياطي الأكبر في العالم ، وعندما يستلم ترامب فإنه سوف يسمح بانتاج النفط الامريكي المحلي والذي من شأنه التأثير بخفض سعر النفط عالمياً ، وهذا بالطبع سوف يؤثر ايجابياً على الاقتصادين الامريكي والعالمي .
والهدف الاساسي لترامب هو احلال السلام والأمن في العالم ، ولقد كان هذا واضحاً عندما كان رئيساً لامريكا عام 2016م ، فلم تكن هناك حرب قائمة بين روسيا وأوكرانيا ولم تكن الحرب المشتعلة الآن في الشرق الاوسط ، وأعتقد أنه سوف يسعى لانهاء حرب أوكرانيا ، كما تربطه علاقات جيدة مع الرئيس الروسي بوتين ، وقد وعد بأنه سوف يسعى أيضاً لوقف الحرب في غزة ولبنان ، ويخمد الصراعات خاصة في الشرق الأوسط وسوف تكون منطقة الشرق العربي نظيفة وهادئة من الحروب في عهده .
الامريكيون يدركون أن ترامب هو الأنجح اقتصادياً وهذا كان واضحاً منذ صغره حيث سيرته الناجحة في مجال العقارات ، وهو الرئيس الأمريكي الذي يعرف كيف سوف يُدير الأمور الاقتصادية محلياً ، وحتماً سيكون لنجاحه تأثير مباشر على العالم اقتصادياً ، لا سيما في مجال سرعة تأثيره على سعر النفط العالمي .
إن السياسات الخارجية التي يمكن أن يلعبها ترامب ودور امريكا المهم للغاية الذي حتماً سوف يؤثر على الشرق العربي ، هي أولاً: أعتقد أن ترامب يريد التفاهم مع بوتين أي روسيا فيما يتعلق بالحرب الاوكرانية ، التي لها تأثير كبير على أسعار الغاز الطبيعي وتداعياته على أوروبا ، كذلك ما يتصل بالخط القادم من روسيا الى اوكرانيا وأوروبا ودول حلف النيتو ، وكل هذه الدول التي عانت من مشكلة توفر وتأمين الغاز الطبيعي.
ثانياً : العلاقات الامريكية مع الشرق العربي خاصة مع المملكة العربية السعودية التي ابتعدت عن الولايات المتحدة الامريكية، تحديداً خلال مدة ادارة بايدن وفتحت ابوابها ودبلوماسيتها للتوسع بعلاقات مع روسيا والرئيس بوتين ، وايضاً الانفتاح السعودي مع الصين ودول البركس التي تتحكم بها دبلوماسية تسير بنفس الخط السياسي ، مقارنة بامريكا التي تتغيير سياستها استناداً للحزب الحاكم والفائز في الرئاسة الامريكية ( الديمقراطي أو الجمهوري) ، فكل حزب منهما تتغيير سياسته مع دول الخليج ، وأيضاً العلاقة الامريكية مع دول المشرق العربي مثل سوريا والعراق التي تعاني اليوم من النفوذ الايراني والميليشيات الايرانية المتواجدة فيها ، فعلى سبيل المثال سياسة بايدن كانت سلسة مع ايران واعادت لهم المبالغ المالية المرتبطة بالملف النووي ، كما يلاحظ المرونة السياسية أو نبرة غزل في التصريحات المتبادلة بينهم ، وغزل مواجهة في مسألة اطلاق الصواريخ الخجولة بينهم .
ان سياسة ترامب سوف تتغيير بالنسبة للجمهورية الاسلامية الايرانية وسوف يكون قاسياً وحازماً في قراراته معها ، وسيعتمد ترامب في سياسته الجديدة على الاستراتيجية المتمثلة بخنق ايران اقتصادياً ، بسبب دعمها الى حلفائها في المنطقة العربية ، أي حزب الله والحوثي ، وبخصوص تواجدهم في العراق أيضاً ، والاهم السعي الامريكي بادارة ترامب القادمة لمحاصرة طموحات ايران النووية وتقليم نفوذها العسكري في منطقة الشرق العربي ، وهذه هي السياسة التي اتخذها ترامب في الماضي مع ايران .
فعلى سبيل المثال كانت سياسة ادارة ترامب اتخذت الامر باغتيال قاسم سليماني وبالتالي القضاء نفوذه المتزايد في العراق ، اعتقد أن علاقة ترامب سوف تكون اسوأ من قبل اي مما كانت عليه في الماضي ، حيث سيزيد ويشدد من العقوبات الامريكية على ايران مجدداً ، واثناء حملة ترامب الانتخابية صرح عدة مرات أن ايران كانت وراء محاولة اغتياله والتي لم تنجح ، ولكن ادت الى اصابة أذنه فقط ، وصرح :” أن الرب قد نجاه من اجل أن يخدم وطنه “، حتماً الأمور سوف تذهب الى التصعيد مع ايران ولابد من حسمها حتى ولو عسكرياً ، سياسة ترامب قائمة على حسم الأمور مع ايران بشكل خاص ، ويرتبط بها تخليص المنطقة العربية في الشرق العربي من النفوذ الايراني وبشكل كلي وقطعي ، والمتمثل بأذرع ايران في سوريا والعراق ولبنان واليمن ومنع توسيعها لنفوذها في البلدان العربية التي تطمع ايران دائماً في السيطرة عليها ، ومع الادارة الامريكية الجديدة الان والمتمثلة بالرئيس القادم ترامب حذرت امريكا الدولة العراقية وطلبت منها عدم السماح لايران باستخدام الاراضي العراقية لضرب اسرائيل ، ان سيادة العراق على اراضيه خط أحمر ، وغير مقبول من الادارة الجديدة وجود حالة تهديد من أيران لمصالح حلفاء امريكا في المنطقة مثل الأردن والسعودية ، وبالطبع منع الصواريخ التي تستهدف حليف امريكا الاقوى أي اسرائيل.
ان الموضوع المهم ايضاً ، هو أن ترامب خاطب الشعب الايراني وليس الدولة الايرانية ووعدهم أنه سوف ينصفهم من هذا الحكم الطاغي وسوف يحررهم منه ، وبات واضحاً أن ايران تشهد مظاهرات عارمة من شعبها خاصة المرأة الايرانية التي تظاهرت عدة مرات بخصوص معارضتها لاعادة فرض الحجاب عليها ، والمظاهرات ضد الحكم المتمثل برجال العمائم القاسية والمتجبرة على الشعب الايراني الذي أصبح يعاني كثيراً .
أتوقع أنه سوف تكون هناك ثورة قادمة على ايران ، وسوف يستمر الشعب الايراني في الانتفاض على سياسة القمع الذي يعيش تحتها ، حيث وعدهم ترامب بانهم يستحقون العيش الأفضل ، ومن الواضح ان ترامب قد نجح في الماضي من القضاء على المنظمات الارهابية في المنطقة العربية ، مثل داعش في سوريا خاصة وجودها في منطقة الشمال السوري ، واعتقد ايضاً أن ترامب سوف يواصل جهوده في القضاء على الفصائل بكل أنواعها وسوف يسعى الى إنهاء دورها في الشرق العربي ، ولن تؤثر على الأمن العربي مستقبلاً بعد اليوم ، وفي كل المنطقة في العراق وسوريا ولبنان وغيرها ، والاهم ان سياسة ترامب سوف تسعى لتحقيق رؤية شرق أوسط جديد آمن ، وستفرض فيه ارادة عالمية اقتصادية جديدة ، خاصة أن امريكا تشكل ثلث الاقتصاد العالمي وهي اقوى الاقتصاديات في العالم وميزانيتها حوالي 33 ترليون دولار ، وهذه القوة الاقتصادية الامريكية من وجهة نظر ترامب بدلا من أن تستخدم في الحروب العسكرية المكلفة في العالم خاصة الشرق العربي ، يجب ان تستغل في الاقتصاد الداخلي الامريكي الذي يعاني من تحديات بسبب سياسة وادارة بايدن الحالية .
واليوم على سبيل المثال العراق يعاني اقتصادياً بالرغم من أنه دولة نفطية ، فأين تذهب ايرادات وأموال النفط والشعب يعاني اقتصادياً ؟ للاسف بعض المصارف العراقية تُهرب الدولارات الى ايران ، وفي الماضي وأثناء ولاية ترامب السابقة وضع عقوبات مالية على هذه المصارف والبنوك التي تُهرب الأموال الى ايران ، ولكن يبدو أنها عقوبات لم تكن كافية واعتقد أنه سوف يعمل على تجديد فرضها ، من أجل ردع هذه البنوك العراقية ، وبالتالي سوف ينجح في وقف تهريب الأموال الى ايران على حساب الشعب العراقي المغلوب على أمره ، الذي يستحق العيش الكريم والافضل بدلاً ممن يعتاش عليه وعلى أمواله .
هناك أيضاً واقع معقد هو الحرب في غزة المشتعلة منذ السابع من اكتوبر عام 2023م ، وما تبعها من معارك الثامن من اكتوبر من حرب مستمرة في الجنوب اللبناني ، واتساعها لاحقاً ضمن ما يسمى وحدة الساحات في اليمن والعراق ، وتداعياتها على منطقة مضيق باب المندب واثارها الاقتصادية على المنطقة كلها ، بما في ذلك وقف الحركة التجارية في البحر الأحمر والتي اثرت من الناحية الاقتصادية على اسعار السلع والبضائع في المنطقة ، ورافقها أيضاً ارتفاع اسعار النفط بشكل كبير وما زلنا نعيش الان تداعياتها ، كذلك ما تزال الضربات الصاروخية مستمرة بين ايران واسرائيل ودول الشرق العربي التي تعيش وسط هذا الصراع ، ايران تضرب اسرائيل ، واسرائيل ترد وحزب الله يرد ومعارك برية في قطاع غزة والجنوب اللبناني ، وكل هذا لا أحد يعلم الى أين ؟ كل هذا بات تأثيره واضحاً على الاقتصاد الامريكي التي ترسل الاسلحة من قبلها ، وهي مأخوذة من أموال دافعي الضرائب الامريكيين “Tax payer” ، وفي ظل تزايد شحنات الاسلحة عندما تزيد ايران من تصعيدها بضرب الصواريخ ، يضاف الى ذلك ادارة بايدن للحرب في الشرق العربي والحرب الروسية الاوكرانية ، والشعب الامريكي هو واقتصاده من يدفع الثمن ، وتاثير هذا كان واضحاً عندما ضرب اعصار الهاريكين لولاية ميامي ولم تعمل ادارة بايدن شيئاً لاغاثة هذه المنطقة المنكوبة ، بينما المال كله ذهب الى الحروب في سياسة بايدن وهاريس .
تسعى سياسة ترامب بدلاً من الانفاق على الحروب وتاثيرها المباشر على واقع يُظهر تهالك وتضرر الاقتصاد الامريكي والعالمي خاصة الوضع في الشرق العربي المتهالك اقتصادياً جراء الحروب المشتعلة ، نحو سياسة تعتمد السعي الى اخماد الحروب والعمل على تطوير الاقتصاد والنهوض بالتنمية المحلية لامريكا ، والعمل على حفظ مستوى اسعار النفط من الارتفاع ، ولا شك أن كل ذلك سينعكس ايجابياً محلياً ودولياً ، خاصة اذا توصل ترامب الى حل الصراع في غزة ولبنان ، ويقول ترامب أنه سيكون منصفاً لكل الأطراف المتصارعة والمتحاربة ، ولا يخفي علاقته القوية مع نتنياهو ومصلحة اسرائيل ، خاصة أنها الابن المدلل لامريكا ، وبالرغم من كل ذلك سيكون ترامب منصفاً كما وعد الجالية العربية والاسلامية في امريكا في بذله الجهود لوقف الحرب ، واعتقد انه سيحقق هذا الهدف حتى ينجح بخلق وايجاد شرق اوسط نظيف من الحروب والصراعات ، وبعدها يدخل الشرق الاوسط في مرحلة جديدة في اعتقادي أنها ستشهد انتعاش اقتصادي للشعوب العربية ، ومعها سيكون الامن والسلام الذي يسعى ترامب بشدة نحو تحقيقه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى