تَغيُّر الكثير من المُسَلَّمات .. وسقوط الكثير من القناعات
عوض ضيف الله الملاحمة
سبحان الواحد الأحد . سبحانه الذي يُغير ولا يتغير . سبحانه عالم الغيب والشهادة .
من مسلمات الزمن التغير . ويقصد بالتغير — ليس تغير الزمن نفسه — بل أحداثه ، وتفاعلاته ، وأُناسهِ ، واوضاعهم ، وقناعاتهم ، وأفكارهم . وهنا سوف أسرد تغير الكثير من المسلمات ، والقناعات على المستوى العربي والدولي ، خاصة التي لها انعكاسات على الوطن العربي والقضية الفلسطينية تحديداً :—
١ — كان النظام الرسمي العربي — ليضفي ، ويغطي — على عجزه وخياناته ، كان يقنعنا بان جيش العدو لا يُقهر . وانه جيش قوي ، متطور ، يمتلك احدث انواع التكنولوجيا ، وانه ليس للعرب قدرة على مواجهته وخوض حربٍ معه لإسترجاع ما سُلِب . الى ان اتى طوفان الأقصى يوم ٢٠٢٣/١٠/٧ السابع من أكتوبر ، وعلى يد فصيل فلسطيني بسيط القدرات لكنه — عظيم الاصرار على التحرير — أقدم على عملية ببضع مئات من المقاتلين حتى تبين ان جيش العدو ليس اكثر من نمرٍ من ورق ، كما يُقال .
٢— كان المفكرون الاستراتيجيون والعسكريون ، يقنعوننا بأن العدو الصهيوني ليس له قدرة على حربٍ طويلة الأمد ، وانه يلجأ دوماً للحروب الخاطفة . وها هو يشن حرباً طويلة الأمد ، تجاوزت السنة ، ولا أمل يلوح في الأفق على توقفها .
٣— كما كانوا ينظِّرون علينا بأن إستراتيجية العدو الصهيوني دوماً خوض حربٍ على جبهةٍ عربية واحدة ، لأنه ليس لديه القدرة
على شن حرب على عدة جبهات . وها هو يشن حربين او ثلاثة حروب ، او اربعة حروب في آنٍ معاً ، وهي : الحرب على غزة ، والضفة الغربية ، وجنوب او كل لبنان ، ويمكن اعتبار الضربات المتبادلة مع ايران جبهة رابعة .
٤— المحبطون من النظام الرسمي العربي كانوا يقنعوننا انه لا طائل من المقاومة ، لانها غير قادرة على مواجهة العدو ، وليس لديها القدرة على ارباكه وبالتالي لا يمكنها تحرير فلسطين . وكشف لنا السابع من اكتوبر انه لو لم يتأرجح النظام الرسمي العربي بين مساندة العدو ، والغط في سُبات أهل الكهف — دون المطالبة بدعم المقاومة — لأوشكت على تحرير فلسطين ، ولتحقق ذلك بهروب كل المستعمرين لو توفرت وسائل الهروب للعودة الى أوطانهم الأصلية التي قَدِموا منها .
٥— كانوا يقولون لنا ان اللوبي الصهيوني ، والحركة الصهيونية مسيطرون على الشعب الامريكي والشعوب الاوروبية ولهذا لن تُناصِر فلسطين ، ولانها مُغيبة ، وتؤيد اجراءات دولها المؤيدة للعدو المحتل . وكشف لنا السابع من اكتوبر ان وقفة كل شعوب العالم وانتفاضتهم المؤيدة غطت على كل العرب الرسميين والشعبيين .
٦— عندما كانت العنتريات هي الطاغية ، ولم يكن قد تكشف للشعب العربي التعامل في الخفاء في الغُرف المظلمة مع العدو الصهيوني ، كانوا يقنعوننا ان العرب لن يتخلوا عن فلسطين وستبقى قضيتهم المركزية الى ان تتحرر . وتبين ان النظام الرسمي العربي بكافته يسير خلف نهج منظمة التحرير الفلسطينية — والسلطة الفلسطينية التي إنبثقت عنها — وأطرت عمالتها للعدو ، أكدت لنا ان معظم العرب قد تخلوا عن فلسطين منذ عقود من الزمن .
٧— كانوا يقنعوننا بأن النظام الرسمي العربي بكليته لن يجرؤ على التطبيع مع العدو ، خوفاً من ردة فعل الشعب العربي من المحيط الى الخليج ، وبعد ان طبعت مصر ، ومنظمة التحرير ، والاردن فان بقية الأقطار العربية لن تُقدِم على ذلك ، وان ما حصل سببه ان الثلاثة أطراف لهم ظروفهم الخاصة . لكن تبين ان غالبية الأنظمة العربية قد طبعت بالخفاء مبكراً ، وها هي تتسابق على خطب ودّ العدو والتطبيع معه .
٨— كان رهان العرب رسمياً وشعبياً على
منظمة التحرير الفلسطينية لتحرير فلسطين ، وانها لن تتخلى عن قضيتها التي أنشأت من اجلها . فهرولت فَرِحة الى إقامة سلطة هزيلة ، باهته ، منزوعة الدسم .
٩— إعتبر السُذج من العرب بعد مفاجأة اوسلو عام ١٩٩٣ ان الدولة الفلسطينية قد تأسست فعلاً ، وسيتم إنجازها خلال بضع سنوات . وبعد مرور ( ٣١ ) عاماً ها نحن نتحدث عن إعادة إحتلال العدو لغزة والضفة الغربية ، واذا تحمس العدو قليلاً سوف يتوسع بقضم أجزاء من سورية ، ولبنان ، وربما كل الأردن .
١٠— إبتهج بعض العرب وتفائلوا خيراً بإنشاء
السلطة الوطنية الفلسطينية . وبعد مرور ( ٣١ ) عاماً ومن ممارساتها وخاصة التنسيق الأمني مع العدو ، تبين انها ليست سُلطة ، وليست فلسطينية ، وليست وطنية .
١١— كانوا يحاولون إقناعنا بأن النظام الرسمي العربي قومي النهج ، وان اللاءات الثلاثة التي اطلقتها قمة الخرطوم ستؤدي الى عودة فلسطين الى حضنها العربي . وتبين ان النظام الرسمي العربي ليس عربياً ، ولا حتى وطنياً ، ولا قومياً ، وانه ليس اكثر من تابع ، خانع ، ذليل ، مُنقاد .
١٢ — كما ان الكثير من المُسلمات والقناعات ستسقط وتتغير في المستقبل القريب ، مثل : العداوة بين امريكا وايران ، والعداوة بين العدو الصهيوني وايران .
لكِ الله يا فلسطين فيما تقاسين من خذلانٍ وجحود . ولكَ الله يا وطني الأردن ليحميك من أطماع العدو ، وإلا ستعاني من الخذلان العربي كما حصل مع الشقيقة فلسطين .