
عوض ضيف الله الملاحمة
ليس هناك أروع ، ولا أصدق من شهادة عدوك بك . عندما يشيد عدوك برقي قيمك ، ويعترف بعدالة قضيتك ، وصواب نهجك النضالي ، فأنت في قمة الرقي الإنساني .
إستمعوا لما قاله الأسير الإسرائيلي الأمريكي ( مزدوج الجنسية ) الذي أفرجت عنه المقاومة يوم السبت ٢٠٢٥/٢/١٦ السيد / كيث سيغال ، وهو بعمر ( ٦٥ ) عاماً ، رسالة تحدث فيها عن ظروف إحتجازه في غزة ، ساذكرها نصاً ، حيث قال : [[ بداية وعند ظهوره ، رفع يده تحية ، شاكراً ومقدراً للمقاومة الفلسطينية . ثم قال ان المقاتلين الفلسطينيين الذين تولوا حراسته طول مدة إحتجازه ، حرصوا على تلبية كل إحتياجاته من طعام وشراب وأدوية وفيتامينات . كما قال انهم أحضروا له طبيباً عندما أحس بوعكة صحية . كما ان الحراس كانوا حريصين على إحضار طعام يتناسب مع وضعه الصحي غذاء نباتي بدون زيوت . ووجه سيغال الشكر للمقاومين على عنايتهم به طوال مدة أسره منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ . كما قال الأسير ان حكومته لم تفعل ماهو مطلوب منها للتوصل الى صفقة من أجل إعادة الأسرى وإنهاء الحرب مما أدى الى وقوع ضحايا كثيرين وضرر زائد لكلا الطرفين . وقال : جميلكم محفور في وجداني فخلال ( ٤٩٨ ) يوماً عشتها بينكم تعلمت معنى الرجولة الحقّة ، والبطولة الخالصة ، وإحترام الإنسانية والقيم ، رغم ما تعرضتم له من عدوان وإجرام . كنتم أنتم المحاصرون الأحرار ، وأنا الأسير ، وأنتم الحراس على حياتي ، إعتنيتم بي كأب رؤوف بأبنائه ، حفظتم عليّ صحتي ، وكرامتي ، وأناقتي ، ولم تسمحوا للجوع او الذلّ ان يمسّني ، رغم انني كنت في قبضة رجال يقاتلون لأجل أرضهم وحقهم المسلوب ، تقاتلهم حكومة بلادي التي تمارس أبشع إبادة بحق شعب محاصر . لم أكن أعرف معنى الرجولة حتى رأيتها في أعينكم ، ولم أدرك قيمة التضحية حتى عشتها بينكم ، حيث كنتم تواجهون الموت بابتسامة ، وتقاومون باجسادكم العارية عدواً يمتلك كل أدوات القتل والدمار . مهما أوتيت من بلاغة وفصاحة فلن أجد من الكلمات ما يفيكم قدركم ، وما يعبر عن دهشتي وإعجابي بسمو أخلاقكم . أهكذا يعلمكم دينكم ان تعاملوا أسراكم ؟ أي دين عظيم ذاك الذي يصنع منكم رجالاً بهذا السمو ، حتى تسقط أمامه كل قوانين حقوق الإنسان الوضعية ، وتتهاوى بجانبه كل بروتوكولات التعامل مع الاعداء ! لقد طبقتم العدالة والرحمة في أصعب اللحظات ، ليس بشعارات زائفة ، بل بواقع عشناه ، والتزمتم بمبادئكم في أحلك الظروف . صدقوني لو كُتب لي ان أعود الى هنا يوماً ، فلن أعود الا مقاتلاً في صفوفكم ، لأنني عرفت الحق بأهله ، وأدركت انكم لستم فقط أصحاب الأرض ، بل أصحاب المبدأ والقضية العادلة ]] . إنتهى الإقتباس .
بالله عليكم هل هناك كلام أعمق وأصدق من هذا المديح وهو من عدو !؟ ما نوع العناية التي أُحيط بها هذا الأسير حتى يقول : (( حفظتم عليّ صحتي ، وكرامتي ، وأناقتي )) !؟ وعندما يقول : (( لم أعرف معنى الرجولة الا عندما رأيتها في أعينكم )) !؟ ويقول أيضاً : (( لم تسمحوا للجوع او الذل ان يمسّني )) !؟ ويضيف : (( أهكذا يعلمكم دينكم ان تعاملوا أسراكم )) !؟ ويقول أيضاً : (( صدقوني لو كُتب لي ان أعود الى هنا يوماً فلن أعود الا مقاتلاً في صفوفكم )) !؟
لله دركم ، لم تسطروا بطولات في مواجهة العدو فقط ، بل سطرتم بطولات أخلاقية عزّ نظيرها في هذا الزمان الرديء . كلمات الأسير / كيث سيغال أكدت صحة مقالي الذي نشرته بتاريخ ٢٠٢٥/١/٢٢ بعنوان (( الإنتصار الأخلاقي .. للمقاومة )) .
فعلاً المقاومة الفلسطينية سجلت نصراً أخلاقياً على مستوى التاريخ الإنساني . كيف لا ، وها هو أحد الأسرى الصهاينة يشيد بها ، هذه الإشادة التي يفتخر بها كل إنسان متمسك بالمُثل والقيم الإنسانية النبيلة الراقية . كما علينا ان لا ننسى عند تقييم
سلوك وتعامل المقاومة مع الأسرى ان هذا التعامل جاء في ظروف حرب إبادة طاحنة . ظروف يصعب فيها على الناس العاديين توفير الماء ، ولقمة خبز لأبنائهم . كيف تمكنوا من توفير الطعام الذي يتناسب مع وضع الأسير الصحي !؟ والمقاتلون يتقاسمون حبّة التمر نصفها كوجبة إفطار ، والنصف الثاني كوجبة عشاء . كيف تمكنوا من توفير الملابس له ولغيره من السجناء ، لدرجة انه قال حرفياً : المحافظة على ( هندامه ) !؟
وحتى نعطي المقاومة الفلسطينية حقها في تميز تعاملها مع أسراها ، علينا ان نقارن ذلك مع وضع الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال . بداية هل سمعتم خارج الكيان الصهيوني ان يُحكم على أسرى ( ٤٠ و ٦٠ و ٨٠ ) مؤبداً !؟ هل حدث شبيه لهذه الأحكام منذ بدء الخليقة !؟ اما المعاناة اليومية للأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان فيصعب توصيفها فمن : الشبح ، والاعتداء الجنسي المتكرر على الرجال والنساء ، والسجن المنفرد لسنوات في زنزانة لا يتعدى عرضها المتر الواحد ، الى الكي بالسجائر والنار ، هذا عدا عن التعذيب النفسي الممنهج ، لدرجة ان عدداً كبيراً من السجناء الفلسطينيين يخرجون من السجون بعاهات دائمة عقلية وجسمية .
قبل الختام وددت ان أسرد لكم قصة أخرى غريبة بإيجاز شديد . أحد الأسرى لدى المقاومة إسمه / ساغيه ديكيل ، ولِدت له إبنة وهو قيد الأسر ، فأهدته المقاومة حلقاً من ذهب لمولودته الجديدة ، تصوروا !؟
عندما تكون قضيتك التي تناضل من أجلها عادلة ، وعندما تحافظ على قيم دينك ، وأخلاقك العربية التي ورثتها جينياً ، فتأكد ان الله لن يخذلك ، وان نصره لقريب . كيف لا وقد تعهد به رب الخليقة ، وهو حافظ وعده وعهده ، وأنتم حافظتم على قيم دين الإسلام العظيم ، وقرآنه !؟
وأختم وأقول : بتعاملهم ، وخلاقهم التي جسدوا فيها قيم الإسلام العظيم ، حسبما وصفهم الأسير / كيث سيغال ، خاصة عندما قال : انهم يواجهون الموت بإبتسامة ، أرى انني لا أُبالغ اذا قلت أنهم الأقرب لصحابة رسول الله ، بل إنهم صحابة هذا الزمن .