توزيع التسهيلات الائتمانية في الأردن..تحديات وفرص

 

د. عدلي قندح

 

تشير بيانات النشرة الاحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي الأردني الى استحواذ محافظة العاصمة عمّان على 80.9% من إجمالي رصيد التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك العاملة في المملكة في نهاية عام 2023 بما قيمته 27 مليار دينار من اجمالي التسهيلات المقدرة بحوالي 33.4 مليار دينار، ما يعكس حجم التركز في الاعمال في الاقتصاد الأردني. وتأتي محافظة إربد في الترتيب الثاني حيث تستحوذ على 5.5% من مجمل رصيد التسهيلات الائتمانية وبقيمة تقدر بحوالي 1.8 مليار دينار فقط، تليها محافظة الزرقاء بحصة لا تتجاوز 3.6% من مجمل التسهيلات الائتمانية وبقيمة لا تتعدى 1.2 مليار دينار من مجمل التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك. وتتراوح حصص المحافظات الاخرى ما بين 2.0% (محافظة الكرك) و 0.4% (محافظة الطفيلة، وهي أقل حصة بين المحافظات).

توزيع التسهيلات الائتمانية على مستوى المحافظات في الأردن يعكس عدة جوانب من الوضع الاقتصادي والتنموي في البلاد. بدايةً، تستحوذ محافظة العاصمة عمان على نسبة كبيرة جداً من إجمالي التسهيلات الائتمانية، مما يعكس حجم النشاط الاقتصادي والتجاري في هذه المحافظة. يعتبر وجود مراكز مالية وتجارية رئيسية، فضلاً عن وجود المؤسسات الحكومية والخدمات الأساسية، من العوامل التي تجذب الاستثمارات وتعزز التمويل في محافظة العاصمة.

يُظهر توزيع التسهيلات أيضاً التفاوت الاقتصادي بين المناطق الرئيسية والمحافظات الأخرى في الأردن. فمثلاً، محافظة إربد ومحافظة الزرقاء تحتلان مراكز متقدمة بين المحافظات الأخرى، لكنهما تتلقيان نسبة صغيرة من إجمالي التسهيلات الائتمانية مقارنة بعمان. يمكن تفسير هذا التفاوت بالتركز الأكبر في الأنشطة الاقتصادية والصناعية والتجارية في العاصمة عمان، بالإضافة إلى وجود بنى تحتية متطورة تسهل النشاط الاقتصادي.

عموماً، يُظهر هذا التوزيع التفاوت في التنمية الاقتصادية والحاجة إلى سياسات توجيهية تهدف إلى تعزيز التوازن الإقليمي وتعزيز الفرص الاقتصادية في المحافظات الأقل تمثيلاً. تعزيز التمويل والاستثمار في هذه المناطق يمكن أن يساهم في تحفيز النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في جميع أنحاء المملكة.

من جهة أخرى، تستحوذ أربعة قطاعات اقتصادية (الانشاءات، الخدمات والمرافق العامة، التجارة العامة، الصناعة) على حوالي 66.4% أو ما قيمته 21.8 مليار دينار من مجمل التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك العاملة في المملكة والمقدرة بحوالي 33.4 مليار دينار كما في نهاية عام 2023. حيث يستحوذ قطاع الانشاءات على حوالي 24.3% أو ما قيمته 8.0 مليار دينار من مجمل التسهيلات الائتمانية، يليه قطاع الخدمات والمرافق العامة بما نسبته 15.8% أو ما قيمته 5.2 مليار دينار من مجمل التسهيلات الائتمانية، ثم قطاع التجارة العامة بما نسبته 14.7% أو ما قيمته 4.8 مليار دينار، ثم قطاع الصناعة بما نسبته 11.6% أو ما قيمته 3.8 مليار دينار من مجمل التسهيلات الائتمانية.

توزيع التسهيلات الائتمانية على أربعة قطاعات اقتصادية رئيسية يسلط الضوء على تركيبة النشاط الاقتصادي في الأردن والقطاعات التي تشهد أكبر حجم من التمويل. يبدو أن قطاع الإنشاءات يحتل موقعاً بارزاً بنسبة تقارب الربع من إجمالي التسهيلات الائتمانية، مما يعكس حجم الأنشطة العمرانية والتطويرية في البلاد، ويرتبط ذلك بالاستثمارات العامة والخاصة في مشاريع البنية التحتية والعقارات.

من جهة أخرى، يتبين أن قطاع الخدمات والمرافق العامة يأتي في المرتبة الثانية بنسبة تمويل تقارب 15.8% من إجمالي التسهيلات، مما يشير إلى أهمية هذا القطاع في دعم البنية التحتية العامة وتقديم الخدمات الأساسية للمجتمع، ويشمل ذلك الصحة والتعليم والنقل والاتصالات وغيرها.

بالنسبة لقطاع التجارة العامة، فإن النسبة التي يحتلها في تمويل التسهيلات الائتمانية تعكس دوره الحيوي في دعم النشاط التجاري والتجارة الداخلية والخارجية، ويعتبر هذا القطاع محركاً رئيسياً للاقتصاد من خلال تيسير تدفق السلع والخدمات للمملكة.

أما قطاع الصناعة، فبالرغم من أنه يأتي في المرتبة الرابعة بين هذه القطاعات من حيث نسبة التمويل، إلا أنه لا يزال يلعب دوراً هاماً في تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية، ولا شك أن توفير التمويل الإضافي لهذا القطاع أمراً ضرورياً لتحفيز الابتكار وزيادة تعقيد الاقتصاد وتطوير الصناعات الوطنية وزيادة تنافسيتها في الاسواق المحلية والدولية.

البيانات تشير الى أن قطاع الزراعة يستحوذ على حصة صغيرة لا تتعدى 1.8% أو ما قيمته 584.3 مليون دينار فقط من مجمل التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك، وهذا يُعد مؤشرًا على التحديات التي تواجه هذا القطاع في الأردن، وتحديداً فيما يتعلق بالحصول على التمويل والدعم المالي الضروري لتطوير الزراعة وتحسين الإنتاجية. يمكن أن يكون هذا التمويل مهمًا لتحديث التقنيات الزراعية، وتحسين البنية التحتية الزراعية، وتوفير التدريب والتعليم للمزارعين، وتعزيز البحث والتطوير في هذا المجال. ومع ذلك، فإن حصة الزراعة الصغيرة جدًا بالمقارنة مع القطاعات الأخرى تُظهر عادةً قدرة محدودة لهذا القطاع على جذب التمويل من البنوك، وهذا قد يكون نتيجة لعدة عوامل محتملة، مثل التقييم المالي لمخاطر القطاع الزراعي، وضعف البنية التحتية، وعدم الاستقرار في الإنتاجية نتيجة للعوامل الطبيعية مثل الجفاف أو الصقيع، أو التصحر نتيجة الزحف العمراني على المناطق الزراعية.

من الجانب الآخر، يُظهر انخفاض التمويل في الزراعة أهمية السعي إلى تعزيز هذا القطاع، خاصةً في دولة مثل الأردن تسعى لتحقيق مستوى أعلى من الاكتفاء الذاتي من المحاصيل والمنتوجات الزراعية. وتتطلب هذه الجهود تحسين البنية التحتية الزراعية، وتوفير التدريب والتعليم المهني للمزارعين، وتعزيز البحث الزراعي، بالإضافة إلى وضع سياسات تشجيعية وداعمة لتحفيز الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

نختم بالقول: أن توزيع التسهيلات الائتمانية على المحافظات والقطاعات يعكس توجهات الاقتصاد الأردني وأولويات التمويل، ويشير إلى المحافظات والقطاعات التي تحظى بأكبر حجم من الدعم والاستثمارات، مما يعكس التحديات التي تواجهها المملكة والفرص المتوفرة في مجالات مختلفة من النشاط الاقتصادي. نضع هذا التحليل أمام صناع القرار خدمة لوطننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة ومستثمرينا الباحثين عن فرص للاستثمار في بلدنا العزيز؛ الاردن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى