تقييم قرار تخفيض الجمارك

سلامة الدرعاوي

قبل سنتين، سعت الحكومة إلى إعادة هيكلة النظام الجمركي، متخذة قرارا يخضع جميع التعرفة الجمركية إلى أربعة مستويات بعد أن كانت 16 تعرفة جمركية، واعتبارا من بداية عام 2022 أصبحت الفئات الجمركية النافذة المفعول هي (0 %، و5 %، 15 % و 25 % )، وبعد الثلاث السنوات الأولى من تطبيق القرار، ستنخفض التعرفة الجمركية للفئة العليا من (25 % ) إلى (20 % )، وفئة (20 % ) مرة أخرى إلى (15 % ) في عام 2027.

بمعنى آخر، تم تبسيط النظام الجمركي بشكل ملحوظ، لكن ما هي الآثار الفعلية الفعلية لهذا القرار الذي أثار جدالا واسعا لدى أوساط القطاع الخاص وتحديدا القطاع الصناعي؟ منذ إعلان الحكومة للقرار قبل عامين، تباينت الآراء حول القرار الذي كان يهدف حسب وجهة نظر الجهات الحكومية إلى تحقيق توازن بين حماية المنتجات المحلية وتخفيف العبء عن المستهلكين. واليوم، بعد مرور عامين، لا بد من التساؤل: هل حقق هذا القرار أهدافه المعلنة، أم أن الواقع يكشف عن صورة مغايرة؟ الحكومة تدافع عن القرار، معتبرة أنه ساهم في خفض كلفة السلع وحماية المستهلك من التضخم، محققا بذلك أمنا معيشيا مقبولا في تكاليف المعيشة في الوقت الذي شهدت أسعار السلع والخدمات في الأسواق العالمية ارتفاعات جنونية، ورغم ذلك حافظ الأردن على مستوى تضخم هو الأقل في منطقة الشرق الأوسط.

الحكومة قالت أيضا في معرض تبريرها للقرار إن هذه الخطوة أدت إلى تحسين الأداء الجمركي ومنع التهرب الضريبي والجمركي، وبالتالي، تحقيق العدالة.
ومع ذلك، تبرز زاوية أخرى للقصة، تلك التي يرويها القطاع الخاص وتحديدا الصناعي الذي أصيب بالضرر جراء هذا القرار، فالصناعيون يؤكدون أن التخفيضات الجمركية لم تحد من عمليات التهريب المنتشرة في القطاعات مثل الألبسة على سبيل المثال لا الحصر.

القطاع الصناعي يرى أن الحكومة قدمت تنازلات جمركية مجانية دون أن يطالبها احد بذلك، وأن هذه الرسوم الجمركية كانت بمثابة حماية شريعة منحتها منظمة التجارة العالمية الأردن لحماية منتجاتها المصنعة محليا، لكن التخفيض الأخير، أضعف الصناعة المحلية بدلاً من حمايتها.

المشكلة الأكبر- على حد قول الصناعيين- تكمن في الفواتير المخفضة التي تتيح للمستوردين التهرب من الرسوم الجمركية الصحيحة من خلال تقديمهم فواتير استيراد مخفضة عن قيمتها الحقيقية، مما يضيع على الخزينة العامة أموالًا طائلة، فهذه الممارسات تشير إلى خلل جوهري في النظام الجمركي الجديد، يؤدي لاستمرار التحديات بدلا من حلها وظهور شكل جديد من التهرب لكن بحجم التهرب المالي الكبير أكبر مما كان في السابق، وأرقام تحصيلات الجمارك الأخيرة خلال العامين تشير إلى تراجع الإيرادات الفعلية مقارنة مع ما هو مقدر لها في الموازنة.

في ضوء هذه المتناقضات، يصبح من الضروري تقييم القرار بشكل شامل وموضوعي، ليس فقط من قبل الحكومة، بل وأيضا بمشاركة القطاع الخاص والخبراء المستقلين.

والسؤال، هل تحققت الأهداف المرجوة من تخفيض الرسوم الجمركية حقًا، أم أن الثمن كان باهظًا على الصناعة المحلية والاقتصاد بشكل عام؟ ومن هنا، لابد من إجراء دراسة معمقة لحسم الجدل وتحديد مسار السياسات المستقبلية بناء على بيانات وحقائق دقيقة، لا مجرد تكهنات أو آراء مسبقة، تقوم بها إحدى بيوت الخبرة المختصة المستقلة صاحبة والإمكانات وتكون قادرة على الخروج بنتائج حقيقية تعطي دلالات واضحة حول أثر القرار الجمركية وتعزز من مفهوم المراجعة الدورية ومسالة التقييم المؤسسي للإجراءات والقرارات، وتساهم برفع سوية الشراكة بين القطاعين.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى