د. صالح ارشيدات يكتب : الأردن في عقد التحولات: استشرافات واستراتيجيات

د. صالح ارشيدات

في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الأزمات، تبرز أهمية الاستشراف الأمني الاقليمي والسياسي والاقتصادي كأداة حيوية للدول والمجتمعات للتنبؤ بالتحديات المستقبلية والاستعداد لها. وثيقة «11 سؤالا للمستقبل: استشراف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والإقليمية العالمية حتى عام 2030»، التي أعدتهاGood Judgment Inc بالتعاون مع خبراء المنتدى الاستراتيجي العربي، تقدم لنا نافذة استشرافية تساعدنا في رسم خارطة طريق للأردن ونظامه السياسي في مواجهة التحديات القادمة.

تلخيص الوثيقة:

الوثيقة تتضمن عدة أسئلة رئيسية تتناول محاور مختلفة من الاقتصاد العالمي إلى الأمن الإقليمي، مروراً بالتحديات التكنولوجية والسياسية. هذه الأسئلة تفترض سيناريوهات مختلفة لعالم 2030 وتستكشف كيف يمكن للاتجاهات الحالية أن تشكل المستقبل. من الأسئلة المركزية التي طرحت: هل القرن الأميركي بجوانبه السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية في حال تراجع؟ كيف سيؤثر تحول الاقتصاد العالمي نحو الاقتصاد الأخضر على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)؟ وما هي الآثار والمخاطر الأمنية المترتبة على ندرة المياه للأمن في شمال إفريقيا ?منطقة الشرق الأوسط؟

«استشراف الأمن القومي الأردني في ضوء التحديات الإقليمية”

في عالم متقلب ومنطقة تشهد توترات مستمرة، يبرز السؤال حول مستقبل الأمن القومي للأردن في ظل التحديات الإقليمية، خاصة مع تهديدات دولة اسرائيل اليمينية الدينية في إقامة إسرائيل الكبرى على حساب دول الجوار العربي العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني وانكاره لحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية وموقف مجلس الامن السلبي من حروب الإبادة الإسرائيلية وصحوة الراي العام العالمي الجمعي لأول مرة. يتطلب هذا السياق تحليلاً دقيقاً للاستشرافات العالمية وال?قليمية وتقييماً شاملاً للسياسات والاستراتيجيات المتبعة لضمان استقرار وأمان الدولة الأردنية.

الإطار الاستراتيجي:

أولاً، يجب النظر في الاستشرافات العالمية كما وردت في وثيقة «11 سؤال للمستقبل»، ومحاولة تطبيقها على الوضع الإقليمي، مع التركيز على تأثيراتها على الأمن القومي الأردني. هذه الاستشرافات تضعنا أمام عدة سيناريوهات تتطلب التحضير والاستعداد للتعامل مع المخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية المحتملة.

الأمن القومي في ضوء العدوان الإسرائيلي:

تمثل التحركات الإسرائيلية المتكررة وسياساتها العدوانية الهمجية وحروب الإبادة على الشعب الفلسطيني تحدياً مباشراً للأمن القومي الأردني، ليس فقط على الحدود المباشرة، بل أيضاً فيما يتعلق بالتأثيرات الجيوسياسية والإقليمية.في هذا السياق، يجب على الأردن:

تعزيز القدرات الدفاعية: تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية لضمان الاستعداد لأي تهديدات محتملة.

تفعيل الدبلوماسية الاردنيةواستخدام القنوات الدبلوماسية لبناء تحالفات إقليمية ودولية تعزز من موقف الأردن وتساعد في تقليل التوترات.

التعاون الأمني: العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير استراتيجيات مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية.

الاستثمار في الاستقرار الداخلي:

إلى جانب الجهود الدفاعية والدبلوماسية، يجب على الأردن الاستثمار في الاستقرار الداخلي المتميز الذي ينعم به الاردن من خلال:

تعزيز الهوية الوطنية: تقوية اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية, وتعظيم المشاركة الشعبية والسياسية في العمل العام واجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري وتحقيق مشروع التحديث السياسي.

تعزيز التنمية الاقتصادية والتوظيف: تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، خاصةً للشباب، لتقليل الفجوات الاجتماعية وتعزيز الاستقرار.والسير في تحقيق برامج التحديث الاقتصادي والإداري.

تحديث التعليم برؤى ملكية وتفعيل التدريب المهني: الاستثمار في التعليم وبرامج التدريب لتحسين القدرات الفكرية والمهنية للشباب الأردني، مما يساهم في تعزيز الأمن القومي من خلال التنمية البشرية.

الرد على العدوان الإسرائيلي:

أمام التحديات التي تفرضها السياسات الإسرائيلية، يجب على الأردن اتخاذ موقف حازم يتمثل في:

الرد الدبلوماسي وتكثيف الجهود الدبلوماسية لإدانة العدوان الإسرائيلي في المحافل الدولية والعمل على حشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية وتطوير حملات تواصلية رقمية لتعزيز الرواية الأردنية عالميا واستخدام الوسائط الاجتماعية للتاثير في الراي العام العالمي والسياسات الدولية كما فعل الملك عبدالله والملكة رانيا اثناء العدوان الحالي على غزة.

التعاون الإقليمي وتعزيز التعاون مع الدول العربية والإسلامية لتوحيد المواقف تجاه السياسات الإسرائيلية والعمل معاً لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.

الجاهزية العسكرية والحفاظ على حالة من اليقظة والجاهزية العسكرية للدفاع عن الأراضي الأردنية وحماية حدودها.

الأردن أمام التحولات العالمية:

تقف أمام الأردن، كدولة ذات موقع استراتيجي ودور تاريخي في الشرق الأوسط، مجموعة من التحديات والفرص في ظل التحولات العالمية المستشرفة. الأردن مطالب بتبني استراتيجيات مرنة ومتعددة الأبعاد للتعامل مع هذه التحولات، بما يشمل:

تعزيز الأمن الغذائي والمائي: في ظل التغيرات المناخية وندرة الموارد، يجب على الأردن تطوير تقنيات متقدمة للزراعة المستدامة وإدارة المياه.

تنويع الاقتصاد: الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا لتقليل الاعتماد على الواردات النفطية وعلى الدولة رعاية ملف المياه المتفاقم وتعزيز الاكتفاء الذاتي.

تطوير القدرات التكنولوجية: الاستفادة من الثورة الرقمية لتحسين الخدمات العامة وخلق فرص عمل جديدة، خصوصاً في قطاع الشباب.

تعزيز الدبلوماسية الإقليمية والدولية: العمل على بناء علاقات استراتيجية متوازنة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين.

الاستعداد للتحديات الأمنية: تطوير القدرات العسكرية والاستخباراتية للتعامل مع التهديدات المتغيرة، مع التركيز على الحرب السيبرانية والأمن القومي.

في ضوء هذه الاستشرافات، يجب على الأردن تقييم وتحديث الاستراتيجيات التنموية الحالية بطريقة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الاتجاهات العالمية وتستفيد منها لتعزيز موقعه الاستراتيجي والحفاظ على استقراره وتقدمه. ــ الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى