الإبتلاء المشترك .. بين الدين والقضية
عوض ضيف الله الملاحمه
أحياناً ، تسمع أُناساً يقولون كلاماً عجيباً غريباً . كلام لا يمكن إدراجه ضمن المنطق . فتعجب من غياب الحقيقة عنهم ، او من إنكارهم لها . وتحاور بلطف ، وتقول : هل يمكن إنكار عدالة القضية الفلسطينية ؟ بعدها يتبين لك الإصرار على إنكار الحقيقة ، مع علمه بعدالتها . وتقول : ليس ، فهذا رأي ، رغم عدم صحته . وواجب عليك إحترامه لأن كل إنسان حرّ بما يعتقد .
كثيرون منا تعرضوا لموقف كهذا . فمثلاً ، أحياناً تدخل في حوار عن الدين الإسلامي العظيم . فتجد الطرف المقابل يصب جام غضبه على الإسلام ، وعندما تقول له : لماذا يا هذا !؟ ما خطبك !؟ وما الذي يدفعك لذلك !؟ يقول لك مثلاً : يا رجل ، ناس كذابين ، الواحد منهم يصلي الصلوات الخمس جماعة في المسجد ، ويُصر على ان يكون في الصف الأول في الصلاة ، وأحياناً يصر على ان يكون خلف الإمام مباشرة ، مع انه يفترض ان يخصص هذا المكان للأكثر حفظاً للقرآن الكريم . وتجده في تعاملاته مع الناس يغش ، ويخدع ، ويكذب ، وينصب . عندها تُجهِد نفسك وتجبرها لتقول : وما علاقة الإسلام العظيم بتصرفات هذا الرجل او ذاك !؟ لماذا تُحمِّل الإسلام وزر او سخف او سطحية او إنحراف شخص ما !؟ هل لأنه مسلم !؟ وما ذنب الإسلام !؟ وهل الإسلام هو الذي حثّه او شجعه او دعاه ليكون كذلك !؟ حتى أيام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وأيام الصحابة الأوائل ، الم يكن في زمانهم من يماثلون في سلوكهم هذا الرجل !؟ ثم تضيف : من المنطق والعقلانية ، عندما تتحدث عن مجتمع ، أي مجتمع في هذا الكون ، عليك ان تضع بحسبانك حقيقة لا جدال فيها : بأنه لا وجود للمجتمع الملائكي المثالي مطلقاً . وان كل مجتمع في هذا الكون فيه من كافة صنوف البشر من الناحية السلوكية . حيث لا يوجد مجتمع يخلو من الناس الكرماء ، الشرفاء ذوي الخلق الراقي والسلوك القويم . كما لا يوجد مجتمع يخلو من الناس البخلاء ، الساقطين ، والذين يمتهنون الكذب ، والنصب ، والخداع وغير ذلك . ومن المهم ان لا نغفل عن وجود أُناس بين هذا وذاك ، لا يذهبون للحديّة ، وليس كلهم شياطين ، ولا كلهم ملائكة .
وتشترك القضية الفلسطينية مع الإسلام العظيم في هذا الإبتلاء . فتجد بعض الناس قد شاءت الأقدار له ان يتعامل مع شخص فلسطيني الأصل ، ولسوء الحظ يكون الشخص الفلسطيني ليس سوياً في سلوكه وتعاملاته . فتجد هذا الشخص يصب جام غضبه على الفلسطينيين جميعاً ، وعلى القضية الفلسطينية ، ولا يترك مسبّة او توصيفاً قبيحاً ومعيباً الا ويلصقه بالقضية الفلسطينية وجميع الفلسطينيين . هل يستقيم هذا !؟
وللرد بهدوء وعقلانية شبه مطلقة ترد وتقول : هل يوجد شعب في العالم أجمع لا يكون من بين افراده الكذاب ، والنصاب ، والمحتال ، والمنافق ؟ كما يوجد الكريم ، والأديب ، والخلوق ، والصادق . كما يوجد بين افراد نفس المجتمع من هم بين هذا وذاك . ما ذنب كافة الفلسطينيين لتأخذهم بجريرة تجربتك غير الموفقة مع أحدهم !؟ والأدهى والأمر : ما ذنب القضية الفلسطينية ، وما علاقتها بسلوك وتعامل هذا الشخص او ذاك ، سواء كان سوياً او منحرفاً ، صادقاً او كاذباً ، كريماً او بخيلاً !؟ اليست فلسطين فلسطينية عربية !؟ ألست عربي !؟ الا يسري دم العروبة في شرايينك !؟ الا تغار !؟ الا يوجع قلبك سلب جزء من وطنك العربي !؟ ثم اليس العدو مستعمِراً مُحتلاً !؟ الم يأتِ سكان الكيان من كل اصقاع العالم !؟ الم .. الم .. الم !؟
لا تزر وازرة وزر أخرى . هذا ما يدعونا اليه ديننا وكافة الأديان السماوية وحتى الوضعية منها . الا تدعونا تلك الأديان لنكون أسوياء !؟ الا تحضنا على الفضيلة !؟ الا تكرِّهُنا بالرذيلة !؟ أليس من أبسط صفات الإنسان ان يكون منطقياً وعقلانياً وان لا يأخذ احداً بجريرة أحد آخر ، وان لا يخلط او يمزج او ( يَخْبُصْ ) الأمور ببعضها .
ما أروع التفكير العقلاني المنطقي السوي المُنصف للغير . البعيد عن العشوائية والتعميم . فالشخص الذي أساء وهو مسلم ، هو لا يمثل الإسلام ، وانما هو مسلم سيء . لا تربطوا الإسلام بتصرفات شيوخ الدين والأئمة ولا الجماعات ولا الأفراد . كما لا تربطوا القضية الفلسطينية بتصرفات القيادات او حتى الأفراد الفلسطينيين ، ولا تُسقِطوا عدالتها نتيجة لسقوط قيم أحد الفلسطينيين . فالقضية منهم براء ، كما براءة الإسلام من إنحراف بعض المسلمين .
وددت القاء ضوء بسيط على ما يعانيه الإسلام والقضية الفلسطينية من سوء فهم وتشويه نتيجة لتصرفات أفراد او جماعات لا علاقة للإسلام ولا للقضية الفلسطينية بهم ، وانا اعتبر هذا إبتلاءً عظيماً .