ما للعروبةِ تبدو مِثلَ أرملةٍ !؟
عوض ضيف الله الملاحمه
أرسل لي صديق عمري المهندس / زياد لافي المطارنة ، الرجل الأصيل النبيل ، صاحب الفكر القومي الرصين ، الذي لم يتبدل ، ولم يتلون ، ثابت على مبادئه وقناعاته ثبات الرجال الرجال ، أرسل لي تسجيلاً يُلقي فيه الشاعر الكبير القدير / نزار قباني بضعة أبياتٍ من قصيدة له ، نقلتني الى حُزني المتجذر على وطني العربي الذي ضاعت هويته كما أصالته . فوددت ان أسردها لكم بداية :—
ما للعروبة تبدو مثل أرملةٍ ؟
أليس في كُتبِ التاريخِ أفراحُ؟
والشِعرُ ماذا سيبقى من أصالتهِ ؟
إذا تولاهُ نَصّابٌ ومدّاحُ ؟
وكيفَ نكتُبُ والأقفالُ في فَمِنا ؟
وكلُ ثانيةٍ يأتيكَ سَفّاحُ ؟
حَمَلتُ شِعري على ظهري فأتعبني
ماذا من الشِعرِ يبقى حين يرتاحُ ؟
صدق الشاعر العملاق العظيم نزار قباني ، عند تشبيهه العروبة بالأرملة . فالأرملة مظلومة ، ومقهورة ، ومفضوحة ، وكل مصائبها ليست من نتاجها ، ولم تفعلها هي . ولم تأتِ نتيجة أخطائها او عدم إستقامتها . لأنها لم تبتعد عن أصالتها ، وتتمسك بقيمها ودينها . وخطّت لنفسها مسيرة محترمة مُشرِّفة . ففقدها لزوجها ورجل بيتها كارثة بحد ذاتها ، وهذا الفقد هو الذي جعلها محط أنظار الناس ، ورقابتهم ، والتفنن في كيل الإتهامات والأقاويل وفبركة القصص عنها .
وكذلك هي حال الأمة العربية . فهي ليست مسؤولة تماماً وكلياً عن ما يحدث لها من فضائح ، وتردي ، وانحدار ، وخيبة أمل ، وغياب قيم . انما المسؤول عن ذلك كله شيئين ، أولهما :— الإستهداف الغربي لتمزيقها وتشتيتها حتى يتسيد طمعاً في ثرواتها وموقعها الجغرافي الإستراتيجي المتفرد . وثانيهما :— موت النظام الرسمي العربي ، موتاً سريرياً ، وأخلاقياً ، وقيمياً ، بسبب تبعيته ، وخضوعه ، وعمالته للغرب .
يبدو ان العروبة قد ترملت منذ زمن . كما قال الشاعر العظيم / نزار قباني . وبما ان المرأة تترمل بسبب موت سيد بيتها . وعليه يكون سبب تَرَمُّل العروبة موت رؤساء أقطارها ، وهم أحياء .
الشاعر الفهيم الفصيح ، لا يكتفي بتجسيد واقع الأمة ، بل يستشرف مستقبلها ، خاصة إذا كان هذا المستقبل بلا مستقبل يبشر بالخير ، لأنه يكون مُكفهراً ، مُظلماً ، قمطريرا كما حال الشاعر الكبير / نزار قباني .
وتطبيقاً على الواقع الحالي ، ومصداقية تصوير القباني لوضع أمتنا في هذا الزمان سأسرد لكم بعض ما يؤكد صِحة ذلك :—
١ )) عربستان محتلة من إيران منذ حوالي المئة عام .
٢ )) لواء الإسكندرونة مُحتل من الأتراك العثمانيين منذ حوالي المئة عام .
٣ )) سبتة ومليلية وجزر إشفارن إحتلتها إسبانيا من المغرب من القرن السادس عشر .
٤ )) فلسطين إحتلها الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ ، وقضم الضفة الغربية عام ١٩٦٧ ، والقضم مستمر حيث سيأتي على الأردن على مراحل : أولاً : —الأغوار وسلسلة الجبال المُشرفة عليها حتى لا يتواجد جيش العدو في منطقة ساقطة عسكرياً ، معاهم حق . وثانياً : — سيقضمون — في التوقيت الذي يناسبهم — الأراضي والمدن والقرى التي غرب سِكة الحديد طولاً وعرضاً ، من الشمال الى الجنوب .
٥)) الجزر الإماراتية الثلاثة ( طنب الصغرى ، وطنب الكبرى وأبو موسى ) التي إحتلتها إيران الفارسية عام ١٩٧١ .
وهناك مصائب تعاني منها الأمة العربية أفضع من الإحتلالات المذكورة اعلاه ، مثل : الصراعات بين الأقطار العربية ، على لا شيء ، سوى التسابق على خدمة الغرب ، وايها يثبت انه اكثر ولاءً للغرب . ووصل الإنحدار الى إحجام النظام الرسمي العربي عن نُصرة غزة العزة ، التي تم مسح مبانيها وبنيتها التحتية عن الأرض . كما لم يرف لهم جفن وقد جُبلت دماء عشرات الألوف من الشهداء والجرحى في تراب غزة الطهور . والأنكى ما تكشف عن ان عدداً من الأنظمة العربية طالبت العدو الصهيوني بالقضاء على المقاومة الباسلة . والعراق العظيم ليس بعيداً عن خُذلان النظام الرسمي العربي الذي سلّم العراق الى الفرس المجوس على طبقٍ من ذهب ، وهم ما زالوا يعيثون فيه تدميراً وإفساداً ، ونهباً ، والأهم والأخطر سلخه عن عروبته ، وتهيئة ليكون فارسياً .
أُمة أصبحت مهزلة ، ملطشة ، يستهزأ ، ويستهين بها كل المجتمع الدولي ، لا بل وصل الأمر الى تنكر بعض العرب لعروبتهم ، لدرجة ان البعض أصبح يخجل من عروبته ، قهراً وغيرة .
علينا ان نعض بالنواجذ على عروبتنا ، وان لا نخجل منها ، لان العروبة أصالة ، وعطاء ، ونخوة ، وكرامة ، وشهامة . وان ما يحدث لها هو ليس من فعلها بل من سوء النظام الرسمي العربي ، كما يحصل مع الأرملة التي يموت زوجها .فالنظام الرسمي العربي مات منذ عقود ، مثل موت زوج الأرملة .
ولابد لي قبل ان أختم مقالي هذا ، الا ان أُقدم جزيل شكري وشكر كل الشرفاء العرب الى دولة جنوب أفريقيا ، وخاصة رئيسها الرجل الجريء الشجاع سيادة الرئيس / سيريل رامافوزا الذي ( شرب فنجان غزة ) ، وبكل شجاعة وإقدام أقدم على رفع قضية ضد الكيان الغاصب المُحتل لدى محكمة العدل الدولية . وهذا يؤكد تَرَمُّلَ الأمة العربية بسبب ان نظامنا الرسمي العربي قد (( فطس )) . وشربت دولة أفريقيا الوسطى دم غزة ورفعت القضية .
وأختمُ ببيتٍ من الشِعرِ يقول :—
الضغطُ يعقُبهُ إنفِجارُ / كاللّيلِ يعقُبهُ النهارُ .