ديبلوماسية اميركا .. سذاجة العرض و بشاعة التطبيق
د. احمد رفيق عوض
رئيس مركز الدراسات المستقبلية / جامعة القدس
يدهشك وزير خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكن و هو يربط الاحداث ببعضها ليخرج بأستنتاج عجيب غريب ، يدهشك هذا العقل الامريكي المسطح و الساذج ، الراغب دوما بالاختزال و الاختصار و القفز عن التفاصيل و الخلفيات و الصورة المركبة ، ليبرر مصالحه و سياساته و اهدافه ، سهولة العرض هنا تخفي بشاعة المضمون ، يدهشك هذا العقل العملي و القريب و القافز ابدا الى مصالحه و اهدافه بغض النظر عن احترام الاخرين او النظر الى مصالحهم او طموحاتهم او ما قد يسبب ذلك من اشعال لللحرائق ، فالديبلوماسية التي يقودها بلينكين تتميز بسطحيتها الشديدة و اختزالتها المضحكة و استنتاجاتها الغبية ، معتمدا في ذلك طبعا على القوة و البلطجة و القدرة على فرض هذه السطحية على الجميع ، تماما كالعملاق القوي القادر على تدمير كل شيء غافلا عن وجود نقطة ضعف فيه يمكن ان تقوده الى الفناء ، و يبدو ان القصص القديمة اكتشفت هذا التناقض المذهل او السر الكامن في ان العمالقة الاقوياء هم من السطحية و السذاجة بمكان الى درجة انهم يتهالكون بسبب غفلتهم عن نقاط ضعفهم و نقصهم ، العملاق الامريكي و بسبب عنجهيته و غطرسته و عدم انتباهه يقود ديبلوماسية في منطقتنا تخدم مصالحه الاستعمارية بالدرجة الاولى ، و هي ديبلوماسية انانية غرائزية ، و سهلة ايضا و تقوم على الاتي :
اولا : دعم اسرائيل و الانحياز لها و توفير كل ما يلزم من اجل ترسيخ احتلالها و عدوانها و تفوقها و دمجها في المنطقة دون تقديم استحقاقات لكل ذلك ، و ما تقوم به امريكا لادامة هذا الاحتلال يتمثل في اضعاف العالم العربي و الاسلامي من جهة و التلويح كل مرة بتسوية سياسية لا تتحقق من جهة ثانية .
ثانيا : الاعلان عن عدم رغبة الولايات المتحدة بتوسع الصراع ليس من خلال تقديم حلول سياسية حقيقية او فتح مسارات قادرة على اقناع الاطراف جميعا ، و لكن من خلال القوة و سياسة الاستعراض و الاستقواء ، امريكا ليست صادقة عندما تعلن عدم رغبتها في توسيع الصراع لانها لا تعمل من اجل ذلك فهي تجع الحرب على الشعب الفلسطيني و ترفض الاعتراف بدولتهم او حقوقهم ، و كل ما تفعله هو ان تسهل لاسرائيل افعالها و تعطيها الوقت و التبرير لانهاء اغراضها التي لا تخفى على احد ضد الشعب الفلسطيني .
ثالثا : سياسة امريكا المتمثلة في تخفيض حدة الحرب على غزة و زيادة المساعدات اليها هي سياسة بالغة النفاق و قمة الاستهتار بشعوب المنطقة و القانون الدولي و الانساني ايضا ، و تعارض الصورة التي تحب امريكا ان تبدو بها امام العالم ، ان هذه السياسة تقول عمليا ان من الممكن قتل الناس و من ثم اطعامهم ، و المشكلة العظمى هنا ان هذا المفهوم المغلوط و المناقض للقيم الانسانية تم تبنيه من قبل كثير من الدول الغربية و غيرها من الدول الضعيفة التي لا تستطيع ان تعارض امريكا .
رابعا : سياة امريكا القائلة بضرورة تحديد من يمثل الشعب الفلسطيني هو تدخل فظ و علني في شؤون الشعب الفلسطيني ، و هو تدخل لا يفيد على المدى القصير و الطويل ، بالعكس من ذلك ، ان تحديد مصير الشعب الفلسطيني و دولته و ممثليه و التدخل في وعيهم و تمويلهم و اتجاهاتهم انما هي وصفة حقيقية لاستمرار العنف و التطرف و الكراهية ، و بالمقارنة مع طريقة اميركا في التعامل مع الجمهور الاسرائيلي و اختياراته (الديمقراطية) سنرى الفرق الشاسع في كيفية تعامل الادارة الاميريكية الناعم و الرخو .
خامسا: سياسة اميركا بمحاربة الاونروا انما هو انحياز للموقف الاسرائيلي الذي يحتاج الى كثير من الجهد لاثباته ، ان هذا الموقف الاميركي المتعجل انما هو تجويع لستة ملايين فلسطيني و انهاء لاحدى اهم مؤسسات الامم المتحدة التي اقيمت بقرار اممي ، مما يعني ان اميركا تعمل على انهيار النظام الدولي العالمي الحالي في مقدمة (ربما) لتوزيع جديد للقوة و النفوذ بالعالم .
سادسا : رؤية امريكا ان الحرب في المنطقة مع ايران و اذرعها ، و هي جملة صارت شائعة ، انما هي رؤية ساذجة جدا ، فالامر اعقد من ذلك بكثير ، ان اهم صراع في المنطقة هو الصراع الفلسطيني الاسرائيلي و هو السبب الاهم في كل ما تشهده المنطقة من توتر ، و بلغت السذاجة او التغابي بالادارة الاميركية للقول ، ان ما يجري في باب المندب لا علاقة له بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي .
سابعا : ان رؤية اميركا القائلة بأن التطبيع سيحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي انما هي رؤية ساذجة ايضا ، فلا يمكن للتطبيع ان يكون بديلا عن الحقوق او عن زوال الاحتلال و اقامة الدولة الفلسطينية ، ولا يمكن لاميركا ان تخدع العالم العربي في كل مرة بالقول انها تدعم الدولة الفلسطينية (دون تفاصيل و دون تحديد) مقابل هذا التطبيع الذي اثبت انه علاقة تفيد الجانب الاسرائيلي بشكل اكيد .
ثامنا : سياسة امريكا التي تقوم على ادارة الاحتلال الاسرائيلي و ادامته دون اعتبار لطموحات الشعب الفلسطيني و نضالاته لا يمكن لها ان تظل ناجحة على مدى عقود ، و قد دفعت اميركا بالذات ثمن تجاهل الشعوب و طموحاتها في فيتنام و افغانستان و اميركا اللاتينية .
لا يمكن لاميركا ان تستغل اسرائيل ايضا و تجعلها في خندق متقدم في منطقة مشتعلة من اجل مصالحها الاستعمارية او اللاهوتية ، ان هذه السياسة تستنزف الشعب الفلسطيني و شعوب المنطقة و كذلك الاسرائيليين الذين بدأو يدركون انهم مجرد (نجمة اخرى في علم الولايات المتحدة الاميركية) .