هل من الغباء .. إعتبار الدهماء .. على حق ؟
عوض ضيف الله الملاحمة
ربما تكون الدهماء أحياناً على حق ، ومع الحق ، لكنها ليست دوماً على حق ، ومع الحق . من الأمثلة البسيطة التي تؤكد ان الدهماء أحياناً على حق ، ومع الحق ، مثلاً : عندما يشاهد الناس مباراة او نزالاً للمصارعة ، ترى الناس تصطف مع ، وتصفق لِ ، وتتمنى الفوز وتشجع اللاعب الذي يلتزم بقوانين اللعبة ويلعب لعباً نظيفاً ، بينما تستهجن ، ولا تشجع اللاعب الذي يميل لكسر القوانين وتجاوزها والإلتفاف عليها .
وكذلك في المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات على بعض الأنظمة والقوانين التي تسنها حكومة بلد معين ، تكون الدهماء عامة على حق ، اذا كانت تلك المسيرات والمظاهرات مبررة ، ومنظمة ، وبعيدة عن الفوضى وعدم الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة ، ولا تؤدي الى الإضرار بالبلد ، كما يحدث في اغلب المظاهرات في دول الغرب .
نعم ليست الدهماء على حق ، ومع الحق دوماً ، والدليل سكوت ، واستكانة الشعب العربي رغم الدمار الذي يحيق به وبأمته ، ومستقبله ، وكرامته ، وهيبته . وعليه فصمت الدهماء في وطننا العربي يعتبر إستكانة ، وخيانة وليس إقتناعاً ورضى بأوضاعها .
السؤال الكبير الذي يفرض نفسه على كل من يهتمون ويتابعون الشأن العام هو : ما الأسباب التي أدت الى إنخراس ، وجُبن ، وتخوُّف ، وعدم تفاعل الشعب العربي مع قضاياه المصيرية الهامة ، التي دمرت ومازالت تدمر كل مستقبله !؟ سيادته تُنتهك ، وكرامته هُدِرت ، ومقدراته نُهبت ، ومستقبله قاتم وهو صامت ، ساكت ، ( مُنخرس ) ، وكأن الأمر لا يعنيه ، ولا شأن له به ، ولا يهمه ، ولا ينعكس على حياته الحالية والمستقبلية ؟
في الدول الديمقراطية المتحضرة ، الشعب هو مصدر السلطات ، وهو الذي لديه الحق الدستوري في تغيير الحكومات والإعتراض على قراراتها . ويتم ذلك بطريقتين : أولهما : عن طريق الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية . وثانيهما : عن طريق الخروج الى الشارع بمسيرات ، ومظاهرات مُنظمة ، مُنضبطة ، لا يتم التعرض فيها للممتلكات الخاصة والعامة . لأن القرارات الحكومية بمجملها تنعكس على الشعب اولاً وأخيراً ، وهو المُتأثر بها سلباً وإيجاباً . فإذا كانت تلك القرارات تنعكس إيجاباً على حياة الناس خيراً وبركة ، وتحظى الحكومة بالتأييد الشعبي وتسير الحياة بكل هدوءٍ ، وخير ، ونماء ، وإزدهار . لكن اذا كانت القرارات الحكومية تضر بمصالح الشعب ومستقبل الوطن ، عندها لا بد من التحرك الشعبي لمواجهتها ، والتعبير عن رفضها والمطالبة بالعدول عنها .
بعض الأحيان ، اذا كانت الحكومة وطنية بإمتياز ، ربما تتخد قرارات غير شعبية لهدف مُحدد ، وزمنٍ مُحدد ، يكون فيها هدف الحكومة مستقبلي ، قد لا تدركه بعض الفئات من الشعب ، تكون الحكومة قد إرتكبت خطأً بعدم توضيح أهدافها المستقبلية للشعب ، لذلك يُفترض ان يكون الشعب على إطلاع كامل ، وذلك بالتوعية الجماهيرية قبل الإقدام على هكذا قرارات .
بعد اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٩ ، كتب عالم الاجتماع المصري الدكتور / فؤاد زكريا، مقالات متسلسلة في جريدة القبس الكويتية، بعنوان (( هل مات الغضب في صدور العرب )) . ورددت عليه بمقال نشرته جريدة القبس بعنوان (( لم يمتِ الغضب .. بل تحور وتحول )) . وبعد ( ٤٥ ) عاماً ، اعتذر لعالِمنا مؤكداً صِدق تحليله بأن الغضب في صدور العرب قد مات ( وشبع موت ) . لكن مع تعديل بسيط ، ان الغضب لم يمت عند كل العرب ، بل عند بعضهم ، ثم لابد من توضيح آخر ان سبب موت الغضب يرجع الى القهر ، والفقر ، ومصادرة الحريات ، وغياب حرية التعبير بسبب العصا الغليظة التي تستخدمها الأنظمة العربية في إخراس الناس .
وهنا نخلُص الى ان مفهوم الدهماء او ان الجماهير دوماً على حق ، ومع الحق ليس بالمطلق ، بل مُقيداً بظروفٍ ومعطيات يجب الإلتفات إليها وأخذها بعين الإعتبار قبل إطلاق الأحكام العامة المُطلقة . فلم يُعد الإطلاق نهجاً صحيحاً على إطلاقه. لأن توفر وسائل الإعلام الحديثة الخطيرة تستغله بعض الحكومات بخبث بإتباع فبركات مُخادعة أحياناً للتغطية على بعض قراراتها او عدم الإفصاح عن الغاية الحقيقية منها . وقد تنطلي هذه الخديعة على الشعب وتتشوه قناعاته ، ويتصرف بإتجاهٍ مُغايرٍ للحقيقة ، والحق ، ومصالحه الوطنية ، عندها لا تكون الدهماء على حق ، وليست مع الحق .