مشكلتنا إدارية وليست مالية
في الأردن، تبرز مسألة ليست بجديدة لكنها مهملة: إنها مسألة التنظيم الإداري، غالبًا ما يُظن أن مشاكلنا الاقتصادية نابعة من نقص الموارد المالية، لكن الواقع يشير إلى غير ذلك، إذ إن العقبة الرئيسة تكمن في كيفية إدارة هذه الموارد والمرافق، وليس في حجمها أو كميتها.
عند مقارنة النظام الإداري في الأردن بأمثلة من دول متقدمة، نجد فروقات جوهرية في العديد من الجوانب، وفي الدول المتقدمة، تُدار الخدمات والمرافق العامة بكفاءة عالية، حيث يتم التركيز على الرقابة، والمحاسبة، والمسؤولية.
النتيجة هي خدمات عامة ذات جودة عالية وموظفون ملتزمون بالتميز والإنجاز، بينما في الأردن، يبدو أن النظام الإداري يعاني من قصور في هذه الجوانب، مما يؤدي إلى خدمات أقل كفاءة وفعالية. إن النجاح في إدارة المرافق لا يقاس فقط بعدد العاملين، بل بكيفية استغلال الكفاءات وتحفيز الإنتاجية، أحد أبرز التحديات في النظام الإداري الأردني هو غياب الرقابة والمحاسبة الفعّالة، والحل ليس بالضرورة في زيادة الموارد المالية، بل في تحسين الإدارة والمتابعة. يجب أن تكون هناك آليات واضحة لتقييم أداء الموظفين، وتشجيع الابتكار والمسؤولية.
وتحسين النظام الإداري يتطلب أيضًا تغييرًا في الثقافة الإدارية السائدة، حيث ينبغي التركيز على قيم مثل النزاهة، الشفافية، والمساءلة، وهذا يعني تطوير برامج تدريبية للموظفين تركز على هذه القيم، وكذلك تبني أساليب إدارية تشجع على الابتكار والتفكير النقدي.
من الأمور المهمة أيضًا هي تحديث الأنظمة التقنية والرقمية في الإدارات الحكومية، حيث يمكن أن يساعد استخدام التقنية في تبسيط الإجراءات، تقليل البيروقراطية، وتحسين الكفاءة. يجب على الحكومة العمل على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، إذ إن هذه الشراكات يمكن أن تساهم في جلب خبرات ومعارف جديدة وتحفيز الابتكار في الإدارة العامة.
من المهم أيضًا إشراك المواطنين في عملية الإصلاح الإداري، من خلال تعزيز قنوات التواصل بين الحكومة والمواطنين وتشجيع المشاركة العامة في صنع القرار، ووجود آليات للتغذية الراجعة والشكاوى يمكن أن يساعد في تحديد نقاط الضعف وتحسين الخدمات العامة. يجب على الحكومة النظر في تطوير وتنفيذ سياسات وإستراتيجيات وطنية شاملة تركز على تحسين النظام الإداري.
هذا يشمل تحديد أهداف واضحة ومحددة، وضع خطط عمل تفصيلية، وإجراء تقييمات دورية لقياس التقدم. وبتحقيق هذه الخطوات، سنتمكن من تحسين جودة الخدمات العامة ورفع مستوى الكفاءة في مختلف القطاعات، مما لا يعني فقط توفير خدمات أفضل للمواطنين، بل يعزز أيضًا من الثقة بالنظام الإداري ويساهم في تنمية اقتصادية مستدامة.