نظرة على الأحوال الاجتماعية في الجزيرة العربية قبل الاسلام

 

الخاطرة 68

زيدان كفافي

ما دفعني لكتابة هذه الخاطرة أنني كنت في جلسة عصف ذهني مع مجموعة من الصحب  قبل الظهر وبعد الظهر يوم الأثنين الموافق 9/ 7/ 2023م، حيث دار الكلام في الفترة الأولى حول نشأة الديانات ، وأما في المساء فكان يدور حول  الحضارة العربية قبل الاسلام ، وهل كان العرب في جهالة؟

قبل البدء بالحديث لا بد من القول أن للإسلام فضل ليس على العرب فقط، بأنه جمع شملهم تحت راية واحدة بعد أن كانوا قبائل متفرقة ، ولكن على العالم لأنه قدم لهم برنامج حياة  مكمل لما كان موجود في السابق. وهل يعقل أن يخرج من مجتمع جاهل نبي يتمتع بمعرفة، وثقافة ، وفكر ، وسياسة مثل النبي محمد “صلى الله عليه وسلم”؟   إذ قال صلى الله عليه وسلم “جئت لأتمم مكارم الأخلاق”، وهذا اعتراف بالاستمرارية، لكن الإسلام هذّبها  فزاد على فضائلها وترك عيوبها. وحتى لا يظن بنا أحد سوءاً، نقدم أدناه معلومات حول أوضاع الناس في الجزيرة العربية قبل الإسلام معتمدين على الدراسات الأثرية، والكتابات القديمة. إذ دلت هذه الدراسات على أن الناس في الجزيرة قد تمتعوا في الفترة السابقة لظهور الإسلام بتنوع ثقافي واجتماعي وفكري. ونلخص هذه الحالة بما يلي:

  1. تمتعت الجزيرة بتعدد العقائد والديانات والمذاهب الفكرية (الديانات الحنيفية، والوثنية، والنصرانية، واليهودية، والمجوسية، والصابئة). ونفترض أنه كان لكل عقيدة أو ديانة سدنتها ومبانيها واقتصادها. إن التنوع في الفكر انعكس في الدين والفن والأدب.
  2. تعدد النظم السياسية والاجتماعية، حيث كانت هناك دول في اليمن والحجاز والجوف يحكمها قانون ونظام، بينما بقيت هناك مناطق أخرى خاضعة للنظام القبلي. وهنا نذكِّر بدار الندوة حيث اتفق أهل مكة بالاجتماع فيها لحلِّ مشاكلهم العالقة.
  3. لم يكن سكان الجزيرة بمعزل عما يحيط بمحيطهم الجغرافي، فارتبطوا معهم بتجارة تحكمها أنظمة وقوانين وتربطها طرق تجارية أهمها طريق البخور التي بنيت عليها مدن ومحطات للقوافل. والطرق التجارية لا تنقل البضائع فقط، لكن يضاف إليها الأفكار والعادات والتقاليد واللغات والآداب، أي انتقال المعرفة والفكر والعلم.
  4. التجارة والدين والأدب والفكر بحاجة لتدوين، فقد كتب عرب الجزيرة بخطوط متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر: المسند، والثمودي ، واللحياني، والصفوي، والآرامي والنبطي.  ونود أن نشير إلى حفرية الفاو (على أطراف الربع الخالي) والتي نظمتها جامعة الملك سعود بإدارة المرحوم عبد الرحمن الأنصاري حيث عثر على أكثر من الفي نقش مكتوبة بخطوط ولغات متعددة. وللعلم أينما ذهبت في الجزيرة العربية تعثر على مخربشات ونقوش من أقدم العصور وحتى الحاضر، فقد كان البدوي راعي الأغنام على معرفة بالكتابة، والنقوش الصفوية والثمودية أفضل دليل على ذلك. إذن نحن أمام حالة حضارية وثقافية متقدمة جداً وعلى مستوى عالٍ لا يختلف عن مستوى الأقطار المجاورة.

تشكّلَ سكان شبه الجزيرة العربية من فئتين اجتماعيتين هما: الحضر (أهل المدر)، والبدو (أهل الوبر)، أي أن السكان كانوا خليطاً لكنهم كانوا على تواصل دائم فيما بينهم. وتربطهم علاقة تبادل للمنفعة خاصة الاقتصادية منها. ولمن يبحث أو يريد معرفة المزيد حول العلاقة التي سادت بين هاتين الفئتين  نستند الى ما نشره الباحث السعودي سعد الصويان في كتابه المعنون ب:

Suwayyan, S. 2012; The Arabian Desert: Its’ Poetry and Culture Across the Ages: An Anthropological Study. Beirut: Arab Network for Research and Publishing.

إذ يذكر الصويان أن حضارتي الحاضرة والبادية في شبه الجزيرة العربية مكملتان لبعضهما بعضاً عبر العصور، ويرى أن الواقع الثقافي والحضاري والأدبي  واللغوي في الوقت الحاضر هو امتداد للماضي.

وعلى الرغم من وجود الحضر في شبه الجزيرة العربية إلا أننا نرى أنهم لهم خصوصية خاصة بهم  وهي تختلف عن حضر وادي الرافدين وبلاد الشام، إذ أنهم في تفكيرهم وطبيعة حياتهم ونظمهم الاجتماعية وتفكيرهم السياسي أقرب لأهل البوادي من أهل الحضر.  ويذكر جواد علي  في كتابه :

“علي، جواد 1980؛ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الخامس، الطبعة الثالثة. بيروت: دار العلم للملايين” حول الأحوال الشخصية في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام أن سكانها مارسوا أحكاماً وحقوقاً تحدد العلاقات الشخصية بين الناس فيها.

ونقدم أدناه وباختصار شديد بعضاً من المظاهر الاجتماعية التي سادت في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام:

  1. الزواج: كان لولي الأمر اجبار الفتاة على الزواج من الشخص  المتقدم  لزواجها لكن كان يسمح لها في نفس الوقت بابداء رأيها فيه. كما كان هناك ضوابط وأعراف للزواج ، مثل مراعاة علاقة الأصل بالفرع عند الزواج، فلا يجوز أن يتزوج الرجل بابنته أو أخته . وكان مكروها الجمع بين الأختين، لكن كان بالإمكان أن يشترك الأخوة في زوجة واحدة، وبناء عليه كان المواليد ينسبون لأمهاتهم.  وكان طالب الزواج يدفع مهراً للعروس يتفق عليه، وسمي هذا النوع من الزواج باسم “زواج البعولة”. إذن كان هناك خطوبة (طلب وقبول)، ومهر وزواج.، وكان للرجل أن يتزوج عدداً غير محدود من النساء.  وأما في حالة الحصول على “مسبية” من سبايا الحرب  تبقى على وضعها حتى تنجب أطفالاً فتتحول إلى زوجة.
  2. إرسال الزوجات لمعاشرة الفرسان الشجعان: مورست هذه العادة في حالة ما إذا أراد الزوج أن يكون له ولداً فارساً قوياً وشجاعاً. كما كان هناك زواج أقرب إلى البغاء منه إلى الزواج الحقيقي مثل ذلك المسمى (زواج صويحبات الرايات).
  3. الطلاق: كما كان هناك زواج كان أيضاً طلاق وفراق، ويذكر جواد علي أن الطلاق الذي شاع بين أهل مكة قبل الإسلام  كان طلاق المرأة ثلاثاً، لكن يحلّ للمطلقة العودة إلى زوجها بعد أن تتزوج من رجل آخر. من هنا نرى أن العصمة كانت بيد الرجل، لكن كان للزوجة حق خلع نفسها عن زوجها بعد أن تقدم له ما يرضيه.
  4. الميراث: كانت القاعدة العامة في فترة ما قبل الإسلام هو أن الإرث خاص بالذكور البالغين دون الإناث لأن النساء كنّ من ضمن تركة المتوفى. كما يرث المتوفى أقرباء الميت من الرجال، وهم مقدمون على الأخوات.
  5. دور المرأة في المجتمع: على الرغم مما ذكر أعلاه فقد كان للمرأة  دوراً هاماً في المجتمع، فكانت حاكمة وتاجرة، وأفضل مثال على هذا السيدة خديجة “رضي الله عنها”، زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام. كما عثر على عدد من النقوش التي تشير إلى وجود نساء صاحبات سلطة وثراء، كما هو الحال في النقوش اللحيانية في ددان (العلا).
  6. الرقيق: سادت تجارة الرقيق أو العبيد في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة، لكننا لا نزال وللأسف لا نعرف عن القوانين والتشريعات التي ضبطت هذه التجارة، وأعراف معاملة هذه الطبقة. وكان العبيد يعتقون  في حالات منها التقرب للآلهة لنيل رضاها، كما ورد في بعض النصوص اللحيانية والمعينية.
  7. الوحدة والتضامن: تتطلب طبيعة الحياة الصحراوية التكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد القبيلة الواحدة والقبائل الأخرى، حيث أن متطلبات العيش، والخصومات  بين الأفراد  والقبائل أن يساعد الأخ أخيه وبني قومه. وكلما كانت القبيلة أكثر عدداً وعدةً كانت هيبتها أكبر بين القبائل الأخرى. تحلى سكان شبه الجزيرة العربية  بصفات حميدة كثيرة منها المروءة والشجاعة والوفاء والكرم وحب الضيف.
  8. الاقتصاد: لقد نقلت طريق البخور ورحلة الشتاء والصيف تجارة مكة من محلية إلى دولية نتج عنها ظهور طبقة رأسمالية وظهور طبقات اجتماعية، فكانت هناك الطبقة الغنية والأخرى الفقيرة. أدى هذا الأمر ، خاصة في مكة، إلى ظهور صراع طبقي بين الغني والفقير تبلور عنه صراعات عقائدية. أما في جنوبي الجزيرة العربية فكانت الطبقات الاجتماعية أوضح، إذ كان هناك الفلاحين والحرفيين والتجار العاملين في تجارة المر واللبان.

خاتمة الكلام، مما ورد أعلاه نجد أن سكان  شبه الجزيرة  العربية كانوا أصحاب حضارة  لا تختلف في مستواها وعواملها عن غيرها في المناطق المجاورة.  لقد حكمت الناس في هذه المساحة الواسعة وذات البيئات المتعددة عوامل تماسك وعوامل تفرقة،. والناظر إلى عدد المواقع الأثرية وتنوعها  وغناها بالآثار المنقولة وغير المنقولة  يذهب إلى القول بأن المنطقة شهدت قبل الإسلام حضارة (حضارات) متقدمة.

أقول قولي هذا، واستغفر الله العلي القدير لي ولكم.

زيدان كفافي

الخاطرة 68

يوم الأثنين الموافق 10/ 7/ 2023

مراجع لمن يريد زيادة معلوماته:

علي، جواد 1980؛ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء الخامس، الطبعة الثالثة. بيروت: دار العلم للملايين.

كفافي، زيدان 2017؛ تاريخ شبه الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام. الرياض: مركز عبدالرحمن السديري الثقافي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى