أهداف بلينكن الحقيقية: ترتيبات أمنية و سياسية لمصلحة إسرائيل  

 

د. أحمد رفيق عوض

رئيس مركز الدراسات المستقبلية/ جامعة القدس

برأيي ان ألاهداف الحقيقية لوزير الخارجية الامريكية انتوني بلينكن التي تقف خلف زياراته المكوكية للمنطقة تتلخص اولاً في حماية إسرائيل من المخاطر الخارجية و الداخلية على حدٍ سواء، او قل  ان بلينكن يهدف ضمن أمور اخرى إلى ترشيد الغضب الاسرائيلي او تخليصها من عقدة الزوال او انكشاف  الظهر، و هذا الهدف يتجلى في النصائح العلنية و السرية لتغيير وتيرة الحرب بحيث تكون “نظيفة” و “محتملة” و “غير مكلفة” و “منسية” إالى حدٍ كبير حتى لا تخسر إسرائيل صورتها ولا سرديتها و حتى لا تنفجر من الداخل تمزقاً و جدلاً و انقساماً، النصائح الامريكية التي تقدم لاسرائيل و كـنها اعتذارات تخفي الشراكة و التخطيط و الاعداد المشترك لهذه الحرب، لذلك فإن كل ما يقال عن خلافات بين أميركا و إسرائيل هو مجرد خلاف على الشكل لا على المضمون على الاطلاق، اما الهدف الثاني لوزير الخارجية الامريكية فيتمثل في ابقاء الاجماع الاقليمي العربي على ضرورة التطبيع من جهة و على ضرورة المساهمة ألامنية و المالية في ترتيبات ما بعد الحرب و كذلك ضمان الضغط  و الضبط  للاطراف الفلسطينية و محاولة تعويضها او ترويضها او حتى تهديدها من خلال أطراف عربية عديدة اغراءاً او تهديداً او كليهما، ولان بلينكن لم يعد يتحدث عن المبادرة العربية او اتفاق اوسلو او حتى صفقة القرن او الاتفاقات الابراهيمية، فالمقصود هو ترتيب أمني سياسي يحتاج إلى غطاء عربي  يمنح الشرعية للاوضاع الجديدة حيث يتم – حسب أميركا و إسرائيل- استبعاد حماس و “تحديث” السلطة الفلسطينية و محاولة ربط قد تكون رمزية بين الضفة الغربية المحتلة و قطاع غزة الذي سيعاد محاصرته بشكل جديد.

الهدف الثالث الذي يرمي إليه  بلينكن برأيي هو تسويق وهم الدولة الفلسطينية للمرة الالف دون اجراءات او خطط او خطوات حقيقة على الارض،  ان التلويح بهذا الشعار سيطرب العالم العربي بالذات، و سيكون من السهل عليهم -تحت هذا الشعار- الذهاب بعيداً في عمليات التطبيع المجاني بما يضمن ذلك اتفاقات تجارية و أمنية و سياسية.

بلينكن يقول علناً ان الجميع متفق على ان هدف اقامة الدولة هدف يحتاج وقتاً، و هو يعرف ان إدارته قد لا تكون في البيت الابيض لنسة اخرى قادمة، و ربما يكون الهدف الرابع للرجل يكمن هنا اي  تحسين صورة ادارة بايدن امام جمهوره القلق و المستنكر لما يجري في قطاع غزة اي ان المطالبة المثيرة للسخرية بتقليل الاصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين بالتوازي مع تدفق المساعدات اليهم ما هي الا ضريبة كلامية يقدمها  بلينكن لجمهوره اكثر مما هي موجهة للاسرائيليين او الفلسطينيين، اذ ان هذين الطلبين لا يستويان على الاطلاق  و فيهما استهتار و استخفاف بالقانون الدولي و الحياة الانسانية  ايضاً.

الهدف الخامس وراء ديبلوماسية بلينكن هو ابقاء هذه الحرب مستعرة لان مصلحة اميركا هي اقتلاع مقاومة  الفلسطينيين حقاً و انهاء اية مخاطر أمنية تواجه إسرائيل او احتلالها، ان تقديم الغطاء  الاخلاقي و الامني و السياسي لاسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين بهذا الشكل المروع انما هو خدمة لرؤية امريكية اصيلة ترى في القضية الفلسطينية قضية  يمكن احتمالها و التعايش معها شريطة حصر الصراع و عدم اتساعه و هذا يتم من خلال بلطجة حقيقية مارسها بلينكن و وزير الدفاع اوستن بطريقة فظة و علنية.

و لهذا، بإن الهدف السادس من هذه الزيارات هو تسويق دعم اميركي لوجستي للسلطة الوطنية الفلسطينية بديلاً عن إقامة الدولة او العمل من اجلها، و هو هدف قد يترافق مع محاولة حثيثة امريكية للاطاحة بحكومة نتنياهو المتطرفة التي تحرج الادارة الامريكية طيلة الوقت، هذا الهدف لم يعد خافياً على أحد بعد محاولة نتنباهو و حكومته ان يستبقوا النصائح الامريكية بخطوات تفرغها من مضمونها او ينتقوا من نصائح البيت الابيض ما يريدون و كيف يريدون، بحيث تبدو إسرائيل و كأنها تقرر لنفساها دون سيطرة أمريكية.

اخيراً، اهداف بلينكن من زياراته المكوكية لا تختلف كثيراً عن زيارات من سبقه من وزراء الخارجية الامريكية السابقين و هي اهداف ليس فيها تسوية حقيقية تقوم على اساس من العدل و الكرامة و الامن، بل هي ترتيبات امنية سياسية يكون فيها لاسرائيل الافضلية في كل شيء، فيما يكون فيها الفلسطيني مكشوف الظهر  مسلوب القرار، و ما زلنا نتذكر اسماء شهيرة و كثيرة منذ كيسنجر  الذي ورط المنطقة و فككها و حتى بلينكن الذي لا يملك بريق الاول ولا دهائه.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى