حكاية محمود درويش في أرض الكلام .. والإحتلال .. والظلام

 

عوض ضيف الله الملاحمه

ما حدث ويحدث في غزة العزة ، ألجم الأقلام الشريفة ، النظيفة ، حيث ما عاد مناسباً ان يتطرق الكاتب الى أي موضوع حياتي كما كان . لكن العذر لي في مقالي هذا انه عن الشاعر الكبير / محمود درويش ، شاعر القضية والمقاومة الأشهر .

أهداني ابن العم الدكتور / عماد عبده الطراونة ، الذي يعيش في مملكة البحرين ، مؤلَّفاً له بعنوان (( حكاية محمود درويش في أرض الكلام )) . وما اكثر ، وأغزر ، وأثمن الكلام عندما يكون عن الشاعر الفلسطيني الكبير / محمود درويش ، وخاصة عندما يكون المؤلِّف بقامة وقدرات وتعمّق وقلم الدكتور / عماد عبده الطراونة . ولمن لا يعرف الدكتور / عماد ، فهو ليس مؤلِّفاً فقط ، بل هو سابر أغوار الكلمات والمصطلحات ، عميق التفكير ، قويُّ التعبير ، متفرد في إستنتاجاته ، لا يترك لا شاردة ولا واردة الا ويتفحصها ، ويُفلسِفها ، ويحللها ، لدرجة انه يترك القاريء مذهولاً من عمق ما يخط قلمه ، وذلك التميز بحكم تخصصه في النقد الأدبي الحديث . لذلك أتى الكتاب في ( ٦٥٦ ) صفحة ، و ( ٣٢٨ ) بين مرجع ومصدر وحتى البرامج التلفزيونية .

مجرد الإقدم على تناول حياة شاعر عملاق كدرويش ، يعتبر جرأة علمية بحد ذاتها ، فكيف يكون الحال عندما يتناول كل مفاصل حياته ، وشعره ، وأفكاره ، وعبقريته الفذّة .

فلسطين الحبيبة ، فلسطين السليبة ، فلسطين المحتلة ، فلسطين التي تخلّى عنها الأشقاء بسبب الخيانة والعمالة والجُبن .
الشرفاء من أبنائها لم ولن ينسوها ، مهما بعُدت بهم الشُقّة في كل جنبات الكون . فذكروها باشعارهم وقصائدهم وتضحياتهم وإقدامهم وجسارتهم وجرأتهم باستمرار مقاومتهم . وها هي غزة العزة تشهد بذلك عملياً وواقعياً ، تضحية ، وإقداماً على طريق تحرير كل فلسطين من البحر الى النهر . خاصة بعد ان كشف يوم السابع من اكتوبر عن هشاشة الكيان عسكرياً وسياسياً وايديولوجياً وصموداً و إنتماء اللمم الهزيل للكيان .

بعد ان إطلعت على الكتاب خلال ما يزيد عن الشهر ، وجدت انه من الأجدى لتعريف القراء بالكتاب ان أقتبس بعضاً من مقدمة المؤلِّف وخاتمته حتى يكون الطرح أقوى وأعمق وأدق .

يقول المؤلِّف عن درويش ، وهنا سوف أقتبس نصاً بعض الفقرات ، والجُمل :— [[ تأتي أهمية درويش ( ١٩٤١ — ٢٠٠٨ ) من كونه شاعراً التحم مع قضية شعبه ، وهو شاعر وطني لم يتخلّ عن أدواته الشعرية ، أي إنّ درويشاً لم يكن شاعراً إستعراضياً أو سياسياً بالمعنى التقليدي ، كذلك احتل مكانة مهمة في حركة الشعر العربي والعالمي . صدّر درويش خلال مسيرته الشعرية ( ٢٣ ) مجموعة شعرية واكب فيها تطور القضية الفلسطينية ، حيث أُطلِق عليه لقب ( شاعر المقاومة ) . وقد طور خلال تلك المسيرة خطابه الشعري ، دون ان يتخلى عن نبرته الغنائية العالية التي كانت سمة مميزة لشعره . ولطالما ظلم النقاد محمود درويش بتصنيفهم له بانه من شعراء القضية الفلسطينية وحسب ، وأبعدوه عن تجليات الحداثة ومعاييرها . فهو استطاع ان يجعل قضية فلسطين حاضرة لدى كل مثقف عربي ، والشعر حاضراً لكل دارس للشعر ، لان ما يميز تجربته قدرته على التجدد . بالرغم من مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لقصيدته ، إلا ان شاعريته كانت تتكيء بقوة على موهبة فذّة ، ولا يمكن محاكمتها او قراءتها من منظور سياسي .

حاول درويش الخروج من ثوب شاعر القضية او الثورة شاعر المقاومة الى شاعر المعطى الإنساني العام المُنفلت من قيود مقتضيات القضية والثورة ، ومن التزامات الشعر المقاوم . هناك عوامل كثيرة تضافرت في تشكيل هذه الشهرة المتميزة للشاعر وشعره في حياته وبعد وفاته . وبقي درويش طيلة تجربته الإبداعية يحاول الإجابة على سؤال العلاقة بين طموحاته كشاعر وبين إنتمائه العميق لشعب وقضية وأُمة .

ما سعى اليه المؤلِّف هو رصد تجربة محمود درويش الشعرية مقرونة بسيرة حياته وفق سياق زمني متصل منذ ولادته حتى رحيله وطرح تجربته الحياتية والشعرية كجدلية ارتبطت بالقضية الفلسطينية التي شاءت الأقدار والظروف ان يرافقها درويش على مدى سنوات عمره ويكون شاهدا. عليها منذ نكبة ١٩٤٨ وحتى الإقتتال الفلسطيني الفلسطيني عام ٢٠٠٧ ، وقضايا واحداث عامة او مراحل او مفاصل ترتبط بشخص وتجربة الشاعر .

يمكن ان نلخص تجربة درويش بانها طمحت الى كتابة الحكاية الشخصية من خلال الحكاية الجماعية ، ومزجها بما هو أسطوري وملحمي .

وأخيراً ، فان محصلة النتائج التي يمكن ان يسهم فيها هذا الكتاب على المدى البعيد هي :—
> تحريض الحركة النقدية على متابعة نتاج محمود درويش .
> إعادة النظر في أشعار تم حذفها ولم تدرس من قبل النقاد لعدم معرفتهم بها ووضعها في سياق تجربة الشاعر الإبداعية .
> وضع تجربة درويش في مواجهة نقدية عالمية يمكن من خلالها ان تقدم فهماً أعمق .
> إعادة النظر في تجربة درويش وقراءتها بوصفها مشروعاً شعرياً له سماته وأهدافه ]] . إنتهى الإقتباس .

قرأت عن درويش كثيراً جداً لكنني اعتبر هذا المؤلَّف متفرداً في شموليته وحياديته وعلميته . طالباً من القراء الكرام الإطلاع عليه للغوص في محتواه المتفرد . مقدماً شكري الجزيل الى الدكتور / عماد الطراونة على هذا المنتج الضخم الزخم بتفاصيل جديدة عن شاعر المقاومة محمود درويش .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى