طلع الدويري .. صقر شاهين

 

عوض ضيف الله الملاحمه

العرب ، والغرب ، يقتنصون كفاءات الأردنيين ويحترمونها ، ويقدرونها ، ويوظفونها ، ويُفجِرون طاقاتهم ، وإبداعاتهم ، وتميزهم . كَمٌّ هائل من الأردنيين ينتشرون في كافة أصقاع العالم ، ويتميزون بكفاءات متفردة ، ويحتلون مواقع مرموقة في القطاعين العام والخاص .

لأنني عِشت حياة الإغتراب لما يقارب الربع قرن . وكنت متفاعلاً بقوة إجتماعياً وثقافياً . كما كنت مشاركاً بفاعلية في مؤتمرات المغتربين الأردنيين التي كانت تعقد سنوياً في الأردن في ثمانينات وحتى بدايات تسعينات القرن الماضي . وعندما أشارك في المؤتمرات كنت لعدة مرات مسؤولاً لورقة المغتربين السياسية والإقتصادية وعضو لجنة صياغة قرارت المؤتمر . مما أتاح لي الإطلاع ، والتعرف ، والتواصل مع أعدادٍ كبيرة من المغتربين الأردنيين المتميزين . وما زال هذا الإهتمام يلازمني حتى هذه اللحظة ، حتى أنني أخاله قد أصبح إدماناً .

ومما يؤسف له ان أغلبهم غادر الوطن لأسباب عديدة ، لكن جُلّها كان ينحصر في المضايقات ، وعدم التقدير لتلك الكفاءات ، وعدم توفر الإمكانات التي تساعدهم على إبراز مكنوناتهم وكفاءاتهم المهنية المتميزة .

السبب الذي دعاني لكتابة هذا المقال هو التهديد الصهيوني الذي تلقاه الباشا اللواء المتقاعد / فايز الدويري .

منذ سنوات وأنا اتابع اللواء / فايز الدويري على محطة الجزيرة تحديداً . وأنا في الأصل ليس من السهل ان أُعجب بأداء اي شخص الا إذا كان مبدعاً ومتميزاً . لست عسكرياً بالمطلق . لكنني قاريء نهم في كافة العلوم منذ نعومة أظفاري ، لذلك لدي بعض مفاتيح الأمور التي إكتسبتها ليس من المطالعة فقط ، بل من شغفي الشديد بحضور المحاضرات والندوات ذات القيمة ، التي تضيف لي شيئاً ثميناً ومعلومة قيمة .

وبعد عدة مشاهدات للباشا / الدويري ، حاز على إعجابي ، وحظي بمتابعتي . ويمكنني إيجاز ما أعجبني بأدائه بما يلي : إتباعه الإسلوب العلمي في تحليلاته ، دون إفراط او تفريط ، ودون إنفعال ، ونسب كل معلومة الى أصولها في العلم العسكري . يضاف الى ذلك سلاسته ، وحُسن سرده المتدرج للمواضيع ، بلغة تتأرجح بين الفصيحة والفصحى . وأهم صفة أعجبتني به تتمثل في حضور بديهته . حيث تجده متحفزاً ، متنبها ، جاهزاً لأي سؤال قد يطرحه المذيع بشكل مباشر وتلقائي ، ودون ان يكون لديه علمٌ مسبق به . لأن المذيع المتمكن عندما يتعايش مع الحدث يطرح أسئلة مفاجئة ، وأحياناً قد يتفنن المذيع ويخرج عن النص المكتوب لِيُظهر قدراته ، ومهاراته وليرتقي لمستوى الشخصية التي يقابلها . كنت في أحايين كثيرة أستشف بان ذلك السؤال إرتجالي ولحظي وليس للباشا علم مسبق به ، لكنه كان يرد وكأن إجابته قد تم تحظيرها ، ولا يلاحظ على الباشا الا من ميله الى اللهجة الأردنية متأرجحاً بينها وبين اللغة الفصحية ، ويبتعد قليلاً او كثيراً عن الفصحى .

حرب غزة العِزة ، وإحتراف قناة الجزيرة في إقتناص الكفاءات والخبرات العالمية أثْرَتْ تقاريرها وتحليلاتها للحرب بإقتناص الباشا / فايز الدويري . فتفنن ، وأبدع ، وأجاد ، وسبر أغوار مكنوناته وقدراته وإمكاناته ، ومعلوماته ، فأصبح العالَم يتابع الجزيرة لمشاهدة الباشا / الدويري ، واصبح يخاله المشاهد أحياناً كأنه قائد عمليات جيش العدو ، وقائد عمليات القسام ، وكان يزيد عليها انه كان بدهائه العسكري كان يستنتج ، والأدهى انه كان يتوقع ، ومن متابعاتي ان غالبية توقعاته قد تحققت في الميدان .

كما أعجبني الباشا لدرجة الذهول انه كان يتجلى في شيئين ، أولهما : انه كان لا يبوح ببعض المعلومات عن المقاومة ، حتى لا يكشف اسرارها ويقدمها طواعية للعدو . وثانيهما : انه كان يستفيض أحياناً في التحليل عن جيش العدو وخططه واستراتيجياته وكأنه ينبه المقاومة ويقدم لها المعلومة العسكرية الإحترافية .

يا لك من جنرال متميز ، واثق ، كفؤٍ . وأخال ان بعض المشاهدين من الأردنيين وغيرهم كان يقفز الى أذهانهم سؤال : كيف يستغني الجيش العربي الأردني عن هكذا كفاءة !؟ وأنا أرد وأقول ان جيشنا العربي الأردني يزخر بكفاءات فردية نادرة على المستوى العالمي .

إنتشر خبراً مفاده ان النتن ياهو ، قد أوعز فعلياً للموساد الصهيوني بإغتيال الباشا / فايز الدويري . لو لم توجعهم تحليلاتك ومعلوماتك لما إهتموا بإغتيالك . لو لم تحك للعدو على جرب ، لما إهتم ولا تغلّب . لو لم تغيظهم لما أعلنوا عن إستهدافك بكل وقاحة .

طالت رقبتي ، زهواً وإفتخاراً بالباشا عندما رد رداً شجاعاً قوياً على تهديدات النتن ياهو عندما قال وبكل ثقة وبسالة وإصرار : (( الإحتلال يهددني بالقتل : تلقيت تهديداً بالقتل من جهاز الموساد الصهيوني ، إذا لم أتوقف عن الظهور على قناة الجزيرة . نقول لكم يا أولاد اليهودي .. نحن لا نخاف الا الله وسوف نستمر أكثر وأكثر لطالما هذا يوجعكم . وسوف يكون مصيركم الى زوالٍ بإذن الله )).

طلع الدويري مش عصفور ( دويري او دوري ) طلع صقر شاهين ، وأهم ما يميز صقر الشاهين انه من أسرع أنواع الطيور ، إذا انه يستطيع ان يحقق سرعة في الإنقضاض على فريسته تصل الى ( ٢٠٠ ) ميل / الساعة في المساحات المفتوحة . الباشا / فايز الدويري ، عفواً : الفائز الشاهيني ، لقد فُزت على العدو بإثارته ، وإفقاده أعصابه ، إستمر في الإنقضاض على عدوك دون أن تأبه به ، لأن النتن ياهو لا يعرف ان كل جنود وضباط جيشنا العربي الأردني شواهين ، وأنهم يحملون أكفانهم وأرواحهم على أكُفِهِم منذ ان إختاروا الجُندية مهنةً ، لا بل وحياة . وأختم يا باشا بإبلاغ النتن ياهو بالمثل العربي الذي يقول : (( اللي ما بعرف الصقر بشويه )) . حفظك ربي من دسائسهم ، وكيدهم ، وخُبثهم .. اللهم آمين .
لقد فزت يا فايز الدويري بإحترام الناس ومحبتهم . وهذه مرتبة عظيمة . لأن محبة الناس من محبة الله .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى