الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور عدلي قندح يعلق على قرار اللجنة الثلاثية بشأن رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن ليصل الى ٢٩٠ دينار شهرياً اعتبارا من ١ كانون الثاني ٢٠٢٥
قندح: الحد الأدنى للأجور هو أداة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى حماية العمال ذوي الدخل المنخفض وضمان حد أدنى من المعيشة الكريمة. في الأردن، تأتي أهمية الحد الأدنى للأجور في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، مثل ارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع تكلفة المعيشة.
بدأت فكرة الحد الأدنى للأجور في الأردن في شهر تموز ٢٠٠٠ عندما حدد بمستوى ٨٠ دينار أردني شهريا كجزء من السياسات الحكومية لتطوير سوق العمل وحماية العمال. ومنذ ذلك الوقت، خضع الحد الأدنى للأجور لعدة مراجعات ليتناسب مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. أحدث القرارات التي تناولت هذا الموضوع، تشير إلى زيادة الحد الأدنى للأجور لمستوى ٢٩٠ دينار وشموله فئات جديدة مثل المتدربين والعمال المؤقتين.
أهمية الحد الأدنى للأجور في الأردن
1.حماية العمال:
•يشكل الحد الأدنى للأجور أداة حماية للعمال من الاستغلال، خاصة في القطاعات التي تتسم بأجور منخفضة.
•يعزز الشعور بالعدالة في توزيع الدخل بين الفئات المختلفة.
2.تعزيز الاقتصاد المحلي:
•زيادة دخل العمال يعزز القوة الشرائية، مما يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد المحلي وزيادة الطلب على السلع والخدمات.
3.تقليل الفقر:
•مع ارتفاع تكلفة المعيشة في الأردن، يساهم الحد الأدنى للأجور في توفير دخل يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، مما يخفف من حدة الفقر.
4.تشجيع العمالة المحلية:
•يعزز الحد الأدنى للأجور من جاذبية سوق العمل للعمالة الأردنية، مما يقلل من اعتماد القطاعات المختلفة على العمالة الوافدة.
التحديات التي تواجه الحد الأدنى للأجور في الأردن
1.الاقتصاد غير الرسمي:
•نسبة كبيرة من العمالة الأردنية تعمل خارج الاقتصاد الرسمي، مما يجعل تطبيق الحد الأدنى للأجور تحديًا كبيرًا في هذا القطاع. العاملون في القطاع غير الرسمي غالبًا ما يُدفع لهم أقل بكثير من الحد الأدنى.
2.ارتفاع معدلات البطالة:
•مع تزايد عدد الباحثين عن عمل، يمكن أن يؤدي رفع الحد الأدنى للأجور إلى تقليل فرص التوظيف، حيث قد لا يتمكن بعض أصحاب العمل من تحمل التكاليف الإضافية.
3.ضعف الرقابة والتطبيق:
•يواجه الأردن تحديًا في ضمان امتثال الشركات والمؤسسات للقوانين المتعلقة بالحد الأدنى للأجور.
•ضعف التفتيش العمالي وقلة الموارد اللازمة لمراقبة الامتثال يجعل الكثير من العمال يحصلون على أجور أقل من الحد الأدنى.
4.التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة:
•زيادة الحد الأدنى للأجور يجب أن تتناسب مع معدلات التضخم، وإلا فقد تفقد هذه الزيادة قيمتها الحقيقية.
5.استثناءات معينة:
•القرار الأخير استثنى فئات مثل العمالة المنزلية وغير الأردنيين، ما يعكس تحديًا في ضمان الحماية الشاملة لجميع العاملين في سوق العمل الأردني.
دور الرقابة في تطبيق الحد الأدنى للأجور
الرقابة عنصر أساسي لضمان الامتثال لقوانين الحد الأدنى للأجور، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة في الأردن:
1.ضعف أجهزة التفتيش العمالي:
•قلة عدد المفتشين وعدم كفاية الموارد المخصصة لهذه الأجهزة يؤدي إلى ضعف الرقابة على المؤسسات المخالفة.
2.التلاعب بالعقود:
•يلجأ بعض أصحاب العمل إلى التلاعب بعقود العمل لتجنب الالتزام بالحد الأدنى للأجور. مثلًا، يتم تسجيل العمال كمتدربين أو بعقود مؤقتة قصيرة الأجل.
3.نقص الوعي لدى العمال:
•العديد من العمال غير مدركين لحقوقهم، مما يجعلهم أقل استعدادًا للإبلاغ عن التجاوزات أو المطالبة بحقوقهم.
4.عدم وجود عقوبات رادعة:
•غالبًا ما تكون العقوبات المفروضة على المخالفين غير كافية لردعهم، مما يشجع على استمرار الانتهاكات.
حلول مقترحة لتعزيز الرقابة:
•تعزيز دور وزارة العمل:
•زيادة عدد المفتشين وتزويدهم بالتكنولوجيا والأدوات اللازمة لرصد الامتثال.
•تطبيق تقنيات حديثة، مثل منصات رقمية لتلقي الشكاوى والإبلاغ عن الانتهاكات.
•التعاون مع النقابات العمالية:
•يمكن للنقابات أن تلعب دورًا مهمًا في مراقبة الامتثال وتثقيف العمال حول حقوقهم.
•زيادة الوعي العام:
•إطلاق حملات توعوية توضح أهمية الحد الأدنى للأجور وتشرح حقوق العمال وأدوار أصحاب العمل.
•تشديد العقوبات:
•فرض عقوبات مالية كبيرة على الشركات المخالفة لضمان الالتزام بالقانون.
أثر تطبيق الحد الأدنى للأجور على الاقتصاد الأردني
1.الإيجابيات:
•زيادة القوة الشرائية للأسر الأردنية.
•تحسين مستوى المعيشة وتقليل معدلات الفقر.
•تعزيز الطلب المحلي على السلع والخدمات.
2.السلبيات المحتملة:
•قد يؤدي إلى تسريح بعض العمال في الشركات الصغيرة التي لا تستطيع تحمل زيادة التكاليف.
•رفع الأسعار في بعض القطاعات نتيجة ارتفاع التكاليف التشغيلية.
مقارنة بين الأردن والدول الأخرى
•الدول المتقدمة:
•تعتمد الدول المتقدمة على آليات قوية لتحديد الحد الأدنى للأجور تشمل الحوار بين النقابات وأرباب العمل، إضافة إلى الاعتماد على بيانات دقيقة حول التضخم والإنتاجية.
•الرقابة الفعالة
، والعقوبات الصارمة على المخالفين تشكل ركيزة أساسية في نجاح هذه السياسات. على سبيل المثال، في ألمانيا، يتم تحديث الحد الأدنى للأجور بشكل دوري بناءً على توصيات لجنة مستقلة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية.
•الدول النامية:
•في المقابل، تواجه الدول النامية تحديات مثل ارتفاع معدلات البطالة والاقتصاد غير الرسمي وضعف البنية المؤسسية. ومع ذلك، تبذل بعض الدول جهودًا ناجحة، مثل جنوب إفريقيا التي اعتمدت الحد الأدنى للأجور مؤخرًا مع برامج دعم لأصحاب العمل لضمان الامتثال دون تأثير سلبي كبير على التوظيف.
تجربة الأردن مقارنة بالدول الأخرى
1.إيجابيات تجربة الأردن:
•شمولية القرار الأخير الذي يضمن حماية فئات جديدة من العمال مثل المتدربين والعمال المؤقتين.
•محاولة خلق توازن بين حماية العمال ودعم أصحاب العمل من خلال تعويض الشركات المتضررة.
•الاهتمام بربط الحد الأدنى للأجور بمعدلات التضخم، وإن كان ذلك بحاجة إلى تعزيز أكبر.
2.الفرص للتحسين:
•تطبيق تقنيات رقمية مثل أنظمة تتبع الرواتب التي تضمن دفع الأجور وفقًا للقوانين.
•تعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير دورية توضح مدى الامتثال للحد الأدنى للأجور في القطاعات المختلفة.
3.التحديات المستمرة:
•استمرار استثناء بعض الفئات مثل العمالة المنزلية وغير الأردنيين، مما يترك فجوة في تحقيق العدالة الشاملة.
•التأخر في معالجة الانتهاكات نتيجة ضعف الرقابة الميدانية وعدم وجود أدوات فعالة لمتابعة تطبيق القرار.
خاتمة
تشكل سياسة الحد الأدنى للأجور في الأردن أداة حيوية لتحسين مستوى المعيشة وتعزيز الاقتصاد المحلي، لكنها بحاجة إلى استراتيجيات متكاملة لضمان فعاليتها. من الضروري تعزيز الرقابة من خلال تفعيل التكنولوجيا وتوفير الموارد البشرية اللازمة، إلى جانب إطلاق حملات توعية لتثقيف العمال وأصحاب العمل على حد سواء.
يتطلب تحقيق النجاح في تطبيق الحد الأدنى للأجور في الأردن تعاونًا وثيقًا بين الحكومة والنقابات العمالية وأصحاب العمل. كما أن دراسة التجارب الدولية الناجحة وتكييفها مع السياق المحلي يمكن أن يعزز من فعالية هذه السياسات ويضمن تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية.