هل الأردن مرهون .. لسداد الديون
عوض ضيف الله الملاحمة
أبدأ مقالي بسؤال منطقي ومباشر : هل يَقدِر الأردن على سداد ديونه ؟ والجواب المنطقي العقلاني ان الأردن لن يتمكن من سداد ديونه البته . وقد يقول قائل : لماذا ؟ وأقول ان السبب واضح ، ويتمثل في عدم توافر القدرة والإمكانية ليسدد ديناً يبلغ حتى الآن ( ١١٦ ٪ ) من ناتجه الإجمالي الوطني . والإستدانة مستمرة بعدد من المليارات سنوياً . كما انه لا قدرة لدى الأردن على سداد خدمة الدين ( الفوائد ) المترتبة سنوياً ، والتي ربما زادت عن ( ٣ ) مليارات سنوياً . كما ان الأردن يقترض ثانية لسداد الفوائد السنوية المترتبة ، وهذا يضاعف حجم الدين وحجم خدمة الدين . إذاً ما دام الأمر هكذا ، هل الأردن مرهون لسداد الديون ؟
وهنا نجد ان سؤالاً خطيراً يفرض نفسه ، وهو : إذاً لماذا توافق الجهات المُقرضة مثل : البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي بالذات على الإستمرار في إقراض الأردن ، وكل المؤشرات الاقتصادية والمالية تؤكد عجز الأردن عن سداد الاقساط السنوية ، لا بل وتسمح تلك الجهات المُقرِضة بتقديم قروض لنا لسداد الأقساط السنوية المترتبة . يعني بالمثل العامي ( من إلحاها فِتْ إلها ) . وعليه نستنتج ان تلك الجهات المُقرضة ليست غبية ، ولاتنقصها الإمكانيات والخبرات لتستنتج ان تلك الديون تعتبر ديناً معدوماً لإستحالة سداده . إذاً ما هو السبب الخفي المستتر الذي تخبأه لنا تلك الجهات المُقرضة !؟ وما هو الثمن الخفي الذي سيقدمه الأردن مقابل تلك الديون الضخمة !؟
ما ذُكر أعلاه ، لا يمكن ان يتم بين بنك تجاري وأية مؤسسة مُقترضة او حتى مواطن عادي . وللمقارنة ، تصور انك مقترض من بنك تجاري ، وعجزت عن سداد الأقساط ، هل من المنطق ان تتصور ان البنك التجاري الذي اقترضت منه سيوافق على إقراضك قرضاً جديداً لتتمكن من سداد الاقساط المترتبة عليك لذات البنك !؟
ولتبسيط الموضوع جداً ، نورد المثل البسيط التالي : تصور ان راتبك الشهري ( ١,٠٠٠ ) دينار ، وانك اقترضت من احد البنوك مبلغ ( ١٠,٠٠٠ ) دينار ، بقسط شهري مثلاً ( ٢٥٠ ) ديناراً ، ثم أعدت جدولة القرض وطلبت زيادة مبلغ القرض الى ( ٢٠,٠٠٠ ) ليصبح القسط الشهري ( ٥٠٠ ) دينار مثلاً . ثم استمريت في جدولة القرض الى ان اصبح القرض ( ٦٠,٠٠٠ ) دينار ، واصبح القسط الشهري ( ١,٥٠٠ ) دينار شهرياً مثلاً . هل يمكن ان يوافق البنك ؟ بالتأكيد لا يمكن ، لإستحالة مقدرة المقترض على سداد القسط ، لأن قيمة القسط الشهري تساوي ( ١٥٠٪ ) من الراتب الاجمالي الشهري . لكن اذا وافق هذا البنك ، ماذا يعني ؟ يعني ان المقترض يُسدي — خدمة غير مشروعة — للبنك تُقدَّر بأضعاف قيمة القرض ، وان البنك يعتبر ذلك القرض قرضاً معدوماً يستحيل سداده ، والبنك لا ينتظر السداد أصلاً .
المديونية الأردنية الضخمة التي لا يمكن ان يتمكن الأردن من سداد ولو مليار واحدٍ منها . ومع ذلك يستمر الإقراض . وحتى نسبة النمو المتوقعة بحدود ( ٢,٥٪ ) متدنية ، وغير مجدية ، لأسباب عديدة منها ان نسبة النمو هذه لا يمكن ان تنعش الاقتصاد ، والأهم انها أقل من نسبة ال ( fertility ) اي نسبة الخصوبة او نسبة النمو السكاني . كما ان الدولة ليس لديها القدرة على سداد ديونها للقطاع الخاص الذي أُنهك ، وأصبح يفتقر للسيولة ليستمر في تحريك السوق ، والسبب ان كافة السيولة التي لديه ديون متراكمة على الحكومة . كما ان نسبة العجز السنوي في الموازنة تصل الى حوالي ( ٣ ) مليارات دينار . يضاف الى ذلك ان الأردن فشل في جذب الاستثمارات الأجنبية ، لا بل انه لم يتمكن من المحافظة على المستثمرين الأردنيين ، الذي هاجروا الى دول عديدة منها مصر وتركيا . كما ان نسبة الإنفاق الرأسمالي لا تستحق الذكر ، وهذا يعني غياب المشاريع الكبرى التي تخلق فرص عمل يمكن ان تخفض البطالة ، وتنعش الطبقة الوسطى ، وتخفف من نسبة الفقر والفقر المدقع . لا بل والأسوأ ان الغلاء متفشٍ دون ضوابط ، والخدمات في انهيار .
وعليه فانني ارى ان الوضع المالي والاقتصادي ليس بحاجة الى خبراء في الاقتصاد والمال ، ولا يحتاج لنظريات اقتصادية او مالية . بل يحتاج الى خبراء في السياسة . وعليه فانني أرى الآتي :— أرى ان الجهات المُقرضة مثل صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي اللذين يسيطر عليهما مدينة المال في لندن التي تسمى ( The City ) , والتي تديرها عائلة روتشيلد الصهيونية ، التي تسيطر على ( ٧٠ ٪ ) من السيولة العالمية ، يضاف لها الدول الاوروبية وامريكا المُقرضة للأردن التي تدار حكوماتها عن طريق اللوبيات الصهيونية يخططون لإغراق الأردن في الديون ، يضاف لها انهيار الخدمات التعليمية والصحية .. وغيرها . كما ان ارتفاع نسبة البطالة التي تزيد كل عام عن العام الذي سبقه والتي وصلت الى ( ٢٣٪ ) . وغلاء المعيشة الذي ادى الى ارتفاع نسبة الفقر المدقع . كما ادى الى تآكل دخول الناس ، وتلاشي الطبقة الوسطى التي في صحتها تظهر صحة المجتمع وتعافيه . كلها تتم ضمن مخطط يهدف الى تدمير الأردن كوطن . وكل ذلك يهدف الى مؤشرين : ١ )) إما لإضعاف الشعب الأردني بزيادة معاناته للقبول بالتسويات القادمة الكارثية . ٢ )) او لإضعاف الوطن لتسليمه للصهاينة لقمةً سائغة . ٣ )) أو الإثنين معاً .
لضعفي ، وقِلة حيلتي ، ومعاناتي وانا ارى وطني الحبيب ينحدرٍ من علٍ كما كرة الثلج ، كلما زاد انحدارها تسارع تدحرجها ، وتعاظم حجمها ، ولا من مُنقذ . ونكتفي بأغاني الفخر بالوطن ، ولا نعرف هل تلك الأغاني طرباً ، أم نحيباً ، او ( مَعيداً ) ، وأظنه أقرب ( للمعيد ) حسب التعبير الفلاحي . ولجماعة الكورن فليكس ، المعيد هو : نواح النساء على المتوفي ، او المريض المستعصي شفاؤه المنتظر وفاته . أقول ، وأُكرر : لك الله يا وطني ، وأعاننا الله على الصبر ونحن نراك تنتحر ، ونحن ننتحب .
لو أرادت الدولة العميقة انقاذ الوطن لاتخذت الخطوات المحددة التالية :—
١ )) الغاء الهيئات المستقلة التي تم انشاؤها بدون مبرر والتي يزيد عددها عن ( ٧٠ ) هيئة وتكلف الخزينة اكثر من ( ٢ ) مليار دينار سنوياً. ٢ )) واتخذت اجراءات صارمة لوقف الهدر غير المبرر في الموازنة والذي يقدر بحوالي ( ٦٠٠ ) مليون دينار سنويا . ٣)) وخفضت رواتب الوزراء والأعيان والنواب . ٤ )) واوقفت مبلغ الخمسة الاف دينار التي تصرف لكل وزير شهرياً كمكافأة ، غير الراتب ، منذ حكومة فيصل الفايز قبل حوالي ( ٢٠ ) عاماً . ٥ )) واوقفت السلف النثرية لرئيس الوزراء والوزراء وكبار المسؤولين التي يصل إجماليها الى مئات الملايين سنوياً ، والتي تصرف دون تقديم مستندات تبين اسباب الصرف ، ولمن صُرفت . ٦ )) ولتم الغاء العديد من السفارات ، وتقليص كادر الكثير من السفارات القائمة .
وأختم وأقول : ما سبب الاستمرار في الإقراض مع إستحالة السداد !؟ المنطق يقول انه لابد ان هناك ثمناً باهظاً سيدفعه الأردن مقابل هذا التغاضي من مؤسستين صهيونيتين .