مشروع قانون الجرائم الإلكترونية يعني دولة ناطقة ووطنا مستمعا!
حسن محمد الزبن
جاء هذا المشروع استكمالا لما تم إقراره لقانون الجرائم رقم 27 لعام 2015م، أي بعد سبع سنوات من إنشاء وحدة الجرائم الإلكترونية في الأردن التي أسست عام 2008م، والتي كان وجودها ضروريا وملحا لما شهده الفضاء الإلكتروني من إشكاليات وضعت مؤسسات أردنية ومواطنون في مآزق من خلال الاختراق والتحايل والابتزاز، ولم تكن واسعة ومتوغلة كما نشهد الوضع الآن في عام 2023م، ودار حوله الكثير من الآراء والنقد، مما استدعى إعادة النظر في القانون القديم والعمل على المشروع الجديد، إلا أنه أيضا مشروع اليوم عليه تحفظات أكثر، ففي هذا القانون عدد من مواده وتحديدا المواد (15,16,17,18,19,25)، فهذه المواد على التوالي تتعارض مع مقولة “الحرية سقفها السماء”، وهي مواد للجم حرية التعبير وتخالف ما نحن مقبلون عليه في محطات قادمة من منظومة التحديث السياسي ولا تخدمه على الإطلاق، وفيه تقييد ووضع حدود للحرية الصحفية والعامة التي أحد أهدافها تعزيز حق المواطن والقارئ بالمعرفة ضمن معايير أخلاقية تعهدتها المؤسسات الصحفية والمواقع الإخبارية والعاملون فيها من رؤساء تحرير وكتاب أعمدة وصحفيين ومحققين ومحرري أخبار، بدءا من المحتوى الذي يمر بمراحل إنتاج يتسلسل بمهنية وإتقان إلى المحطة الأخيرة وهي النشر عبر صفحات الجرائد أو المجلات أو المواقع الإخبارية أو القنوات الفضائية أو التلفزيون، وكل هذه المراحل هدفها الأول والأخير أن يظهر العمل الصحفي او الاعلامي بصورة احترافية ويعبر عن مصداقية وقبول لدى القارئ أو المستمع، فالأساس أن حرية الصحافة مصونة ويجب عدم المساس بها وقد كفلها الدستور، ولا أرى بالصحافة الحرة إلا رافعة من روافع الدولة لحماية القانون وتعزيز الديمقراطية ودعم منظومة التحديث السياسي والاقتصادي، وعتبة من عتبات محاربة الفساد بأشكاله كافة وغيره من المواضيع والإشكالات التي يمكن أن تُحدث الخلل أو الانحراف الذي يعود على المجتمع بالضرر والسلبية في الجو العام.
والأمور لا تمر في عالم الصحافة بمزاجية، فكما هي الدولة دولة مؤسسات، فكذلك المؤسسات الصحفية تقوم على طبيعة ونظام مؤسسي، وهناك ميثاق شرف للمهنة الصحفية يتم الالتزام به، ومن خلاله احترام لأخلاقيات المهنة، وما يحكمها من قيم وعادات وأعراف للمجتمع والدولة، مبنية على مبادئ سامية واحترام للأديان وللمواثيق والاتفاقيات الدولية التي لها علاقة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات.
فمشروع القانون 2023م، في ظاهر مواده يوحي لك أنه مع حفظ كرامة العائلة والأسرة وحماية المجتمع المحلي، لكن في ذات الوقت يطلق في مواده وتفرعات بنوده للحكومات أن تتصرف كيفما ترى وكيفما تشاء في إدارة الدولة، ولكن هل هذه الحكومات تطبق كل برنامجها حسب كتب التكليف السامية الموجهة لها، وهل هي معصومة عن الخطأ، وهل رؤيتها وفكرها فقط من يدرك المصلحة العليا للدولة، حتى تسعى جاهدة لتمرير هذا القانون وتأمن من أي كان لمجرد التفكير بنقدها أو طرح قضايا تعرضها للمساءلة، على اعتبار أنها تعتبر مجلس النواب الجهة المخولة بالمساءلة والاستجواب ضمن الدستور ولوائح النظام الداخلي للمجلس، والسؤال هل في كل مراحل ومحطات الدولة يعتبر مجلس النواب واجهة حقيقية لنبض الشارع ويعبر عن أفكاره وطموحاته وتساؤلاته والجواب مفتوح برسم الإجابة… وعليه فمن حق الصحافة الحرة أن تكون عين الرقيب ايضا على أداء الحكومات وعلى غير الحكومات ومن حقها أن تقول كلمتها دون المساس بفضاء ومساحات الحرية لديها، ومن حق الموطن أن ينتقد من يدير الولاية العامة المسؤول الأول في الحكومة كرئيس للوزراء في إي حكومة وكل وزير ومسؤول وموظف عام، وإذا ما أقر القانون كما هو في مسودة المشروع فإن في ذلك ضرب لكل ما قيل في محاربة الفساد بكل أشكاله في الدولة، وذهب أدراج الرياح، كما أنه إذا غض مجلس النواب عن مسؤوليته الدستورية والقانونية، ولم تتم معالجة نصوص القانون أو رده أو رفضه سنشهد تراجعا في الحياة العامة وتراجعا في المؤسسات الإعلامية والصحفية، وفي القضايا الهادفة لصلاح المجتمع، وسيسود ما لا يحمد عقباه ونترحم على المئوية الأولى وكل شيء جميل فيها ونقول يا ليت تلك الأيام تعود.
القانون يبني حصونا وقلاعا للمسؤول ويمنع نقده أو إبداء الرأي بمسيرة إنجازه، عبر الصحافة أو إي من منصات التواصل الاجتماعي، أو أي موقع إخباري ما يعني أننا بعد اليوم لا يحق لنا الحديث عن المصالح العليا للوطن والدولة، وستتوقف أقلام أصحاب الرأي الجريء والمنابر الحرة مغبة الوقوع في براثن العقوبات للقانون الجديد، وبهذا يكون الرأي والرأي الآخر على الحياد، ويصبح حق المواطن في حرية التعبير والرأي على الهامش.
مع أن المجتمع كله ضد أي ابتزاز أو انتهاك للحرية الشخصية أو ما يهدد الأمن والسلم المجتمعي، أو يهدد الأمن الوطني القومي، وضد التعرض للأعراض وخصوصيات الأسر والعائلات وقضايا الشرف التي تنال من أسر وتشكل خطورة في انعزالها وهدمها، والمجتمع أيضا ضد الذم والتحقير وضد نشر التفاهات ونشر الكراهية في المجتمع وترويج الإشاعات أو إي فعل من شأنه أن يقزم المنظومة القيمية في المجتمع.
والمجتمع أيضا يعلم أن الفضاء الإلكتروني مفتوح وفيه الكثير من الجرائم وكثير من العبث والإساءات، وفيه ما فيه من التهديد والتنمر والتحرش واغتيال الشخصية، ويمضي في حرب ممتدة لا تتوقف ولا تنتهي، ولا ننكر أنه يحتاج إلى من يضبط عالمه، حماية لسلامة الأفراد والمجتمعات، فقضايا كثيرة مطروحة في أروقة المحاكم سببها الشكاوى الإلكترونية وهي تزداد يوما بعد يوم، وتؤرق المجتمع وتشكل عبئا على القضاء الأردني، ولا بد من تحجيمها والتقليل منها إلى أبعد قدر ممكن، ونحن مع المواد في هذا القانون الخاصة بذلك شرط معالجتها وإزالة اللبس والغموض عنها، فهمنا جميعا أن لا نصل إلى مرحلة الخراب المجتمعي وظاهرة تشكل خطر حقيقي وتساهم في الهم والانحلال.
إن مواد مشروع القانون الخاصة فيما يتعلق بالقرصنة والدخول غير المشروع إلى مواقع أفراد أو مواقع جهات رسمية أو هيئات ومراكز حساسة في الدولة، والتهكير وإتلاف المعلومات وتزوير الحسابات والبرامج والتطبيقات ونسبتها زورا إلى جهات رسمية أو موظف عام، أو جرائم انتهاك سرية البيانات وانتحال الشخصية واستخدام عناوين وهمية أو جرائم الترويج للأعمال الإباحية واستغلال الأطفال والمرضى النفسيين وذوي الإعاقة والإساءة لهم باي شكل، نؤيد بنودها ونراها تواكب العالمية في تشريعاتها ولا غضاضة في تغليظ العقوبات حتى تكون رادعا لمن تسول له نفسه التعدي على حقوق الآخرين، وارتكاب جرائمه بحماقة دون مراعاة للمشاعر. ونجد ما هو وارد في نصوص مواد المشروع التي وردت بالتفصيل لحالات كثيرة، ومن خلال القانون يعطى للدولة القدرة الكافية للتعامل مع الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية والتعاون معها في هذا الجانب.
لكن القانون يحتوي على مصطلحات فضفاضة ومطاطة وهذا حسب خبراء في القانون، تجد منها في بنود القانون مصطلح أخبار كاذبة، إشاعة، اغتيال الشخصية، ازدراء الأديان، إثارة النعرات، التحقير، خطاب الكراهية، إلخ… وهذه تحتاج إلى تحديد ماهيتها .
فالأخبار الكاذبة لم تأت من فراغ، وقلناها مرارا على إعلام الدولة والحكومة يجب أن يتقدم خطوات على الإعلام الخاص وعلى الفضاء الإلكتروني، ويجب أن يُقدم المعلومة للمواطن بكل مصداقية وشفافية، حتى وإن كان فيها جور على الذات، وتعزيزا للثقة أن لا نترك للموطن الخيار البديل لأن يسمع أو يقرأ من مصادر أخرى يجدها عبر الصحافة العالمية، والفضاء الإلكتروني الواسع الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتكون واردة في حوضه وفضائه.
كما أن الوضع الاقتصادي للمواطن لن يفي بما يترتب عليه أمام القانون من غرامات وعقوبات مالية مغلظة، وسيكون البديل السجن في مراكز الإصلاح في وقت نبني فيه استراتيجيات للتخفيف من أعباء الدولة وجهاز الأمن العام في معالجة الازدحام المتصاعد في هذه المراكز، فلماذا نحاول أن نزيدها تخمة من خلال هذا القانون.
وبما أننا دول مؤسسات فلماذا غاب عن الحكومة التشاور مع الأحزاب التي ما زلنا ندعو لتشكيلها والانضمام إليها، وكذلك النقابات المهنية ونقابة الصحفيين، ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات والنخب الوطنية، ولا ننسى التربويين والأكاديميين، والناشطين والمؤثرين الذين استقطبتهم الحكومة ورأت فيهم قدرة على الترويج لقضايا سياحية وغيرها، ولن أضيف النواب لهذه القائمة، لأن مجلس النواب دستوريا سيناقش مشروع الحكومة المقترح للجرائم الإلكترونية ويرد عليه بالقبول أو التعديل أو الرفض، وتقع عليه مسؤولية اتخاذ القرار أمام الوطن بأكمله.
حمى الله الأردن،،،