نصير يكتب : قراءة سريعة في المشهد السوري
د.خلدون نصير
•سقوط النظام السوري في أيام فإلى أين تتجه المنطقة؟
•نظام الأسد من الصمود إلى الانهيار ..
•الإعتماد على الشرعية الشعبية الضمان الوحيد لأي نظام حاكم ..
بعد ثلاثة عشر عامًا من الثورة الشعبية في سوريا، والتي انطلقت في سياق “الربيع العربي”، يصحو العالم على سقوط النظام السوري خلال أيام فقط ، فهذا التطور غير المسبوق يطرح أسئلة عميقة حول هشاشة الأنظمة العربية، ومدى ارتباط بقائها بالدعم الخارجي، فضلًا عن مستقبل المنطقة في ضوء هذا التحول الجذري.
فمنذ عام 2011، حيث واجه النظام السوري موجة من الاحتجاجات الشعبية التي تحولت إلى نزاع دموي طويل الأمد، استطاع النظام رغم كل التحديات الصمود مستفيدًا من دعم إقليمي ودولي كبير، وعلى الأخص من روسيا وإيران ومع ذلك جاء سقوطه السريع كصفعة لقراءات سابقة كانت تستبعد انهيار النظام السوري في ظل هذا الدعم فهل كان السقوط حتميًا بعد سحب الغطاء الدولي؟
نعم لطالما اعتمدت الأنظمة في المنطقة العربية على دعم قوى دولية وإقليمية لضمان استقرارها، فالنظام السوري كان مثالًا حيًا لهذا الواقع، فبدون تدخل روسيا المباشر عبر دعم عسكري وسياسي، وتدخل إيران عبر تمويل مليشياتها، كان من الصعب على النظام البقاء حتى هذه اللحظة، إلا أن التحول المفاجئ في المواقف الدولية أو تراجع أولويات الدول الداعمة أمام مصالحها قد يؤدي إلى تغير جذري في مصير هذه الأنظمة لدرجة سقوطها أو زوالها كليًا.
إن المنطقة اليوم أمام مرحلة مفصلية حيث إن سقوط نظام بشار الأسد يفتح الباب لتداعيات واسعة، من أهمها إعادة تشكيل موازين القوى الدولية ، كفقدان روسيا وإيران لحليف استراتيجي قوي وذو عمق وتأثير كبير مما سيغير معادلة النفوذ في المنطقة ويدفعهما لمراجعة أدوارهما.
وبذات السياق نخشى ما نخشاه من أن غياب النظام قد يؤدي إلى فراغ سياسي وأمني يعيد إشعال صراعات داخلية، وربما يُمهّد لتقسيم محتمل أو صراع على النفوذ. والأهم من هذا وذاك أن الأنظمة العربية التي تعتمد على الدعم الخارجي أكثر من شرعيتها الشعبية باتت تدرك أن الحماية الخارجية ليست أبدية، وقد تجد نفسها تواجه المصير ذاته في حال تغير مواقف القوى الداعمة.
إن ما حدث في سوريا يؤكد أن البنية الداخلية الهشة للأنظمة العربية تجعلها عرضة للانهيار بمجرد زوال الدعم الخارجي، فهذا الواقع يعيد تسليط الضوء على أهمية الشرعية الشعبية كركيزة للاستقرار، بدلًا من الاتكال على التحالفات الخارجية التي قد تتغير مع تبدل المصالح الدولية.
وفي النهاية، أقول إن السقوط السريع لنظام بشار الأسد ليس مجرد حدث عابر، بل هو تحول عميق يحمل معه رسائل واضحة لكل الأنظمة في المنطقة العربية. وفي مقدمتها أن الشرعية المستمدة من الشعب هي وحدها الضمان الحقيقي للاستقرار، أما الاعتماد على الدعم الدولي فهو رهان قد ينهار في أي لحظة. فالمنطقة اليوم أمام فرصة لتعيد ترتيب أولوياتها و لكنها في الوقت ذاته أمام مخاطر اضطرابات جديدة قد تعيد رسم خرائطها السياسية والاجتماعية والديمغرافية.