فصل الجبهتين .. سيؤدي الى .. كارثتين
عوض ضيف الله الملاحمة
بالنسبة لي فإنني أرى ان اتفاق وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية ، هو قرار ايراني محض . لاسباب عديدة منها ان ايران تهدف خدمة مصالحها الذاتية من كافة الاذرع التى اوجدتها كمخالب لها لمناكفة الغرب عامة وامريكا خاصة ، لتقول لهم انها موجودة ، ولابد لاستقرار المنطقة الا ان يكون لها حصة من الكعكة التي يودون تقاسمها في الزمن الحالي ، في منطقة الخليج العربي خاصة والوطن العربي عامة . كما ان دعمها لتلك الاذرع ليس متساوياً ، بل متفاوتاً حسب المصالح التي تأمل الوصول اليها ايران . وهنا لابد من توضيح بالتلميح . فسيطرتها واحتلالها العراق ، هنا يكون العراق هدفاً لوحدة ، لان في المعتقد الفارسي ان العراق جزء من الامبراطورية الفارسية. أما دعمها للحوثيين فالهدف منه مناكفة السعودية خاصة ودول الخليج العربي عامة ، ولإيجاد موطيء قدم لها على مضيق باب المندب وكذلك مضيق هرمز ، لأن نسبة كبيرة من التجارة العالمية ، وخاصة النفط، تمر من المضيقين. أما دعم الفصائل الفلسطينية وخاصة الجهاد الاسلامي وحماس ، فالهدف منه وقتي ، لوخز الكيان الصهيوني ، ولفت انتباهه هو وامريكا خاصة والغرب عامة لتقول لهم نحن هنا . أما دعم حزب الله فقد كان مبكراً ، منذ عقود عديدة ، لانه هو الأهم والأخطر والأكثر خدمة لأهداف ايران ، كما ثبتت اهميته حيث ساعد بشكل كبير على تحقيق هدفها بالسيطرة على لبنان وسوريا . وهنا اود ان أسجل إعجابي بذكاء ايران باستغلالها العرب الضعفاء الأذلاء المستسلمون الخاضعون ، ( عفيه عليهم ) .
كل ذلك كان ليس اكثر من وسيلة لتحقيق منافع ايران العديدة ، والتي من اهمها : انتاج السلاح النووي ودخول نادي الدول النووية . وارى ان هدفها قد تحقق ، حيث يُجمِع الخبراء في العالم انها قاب قوسين او أدى من امتلاك السلاح النووي . اما قناعتي الشخصية الأكيدة فان ايران قد نجحت وحققت وتمتلك سلاحاً نووياً الآن ، وبدهاء ساستها ، وذكائهم ، وباتباعهم اسلوب المماطلة ، والتقية ، وفن كسب الوقت ، حققت هذا الهدف بجدارة ، واكدت لكل مراقب ومتابع ان الغرب غبي ، وانها اكثر دهاءاً منه . اما الهدف الثاني الذي بدأت ارهاصات نجاحها في تحقيقه والذي يتمثل في تقاسمها السيطرة ، مع أمريكا ، على الوطن العربي عامة ، ودول الخليج خاصة — لوجود النفط وسيطرة امريكا على منابعه لإغاضة الصين ، والتحكم بها اقتصادياً ، ولجم المارد الصيني وكافة الدول الصناعية الكبرى . فقد رشح ان امريكا اقتنعت بضرورة تقسيم تلك السيطرة بين الكيان الصهيوني وايران ، والموضوع قيد التفاوض . ولأن ايران تأكدت من وصولها الى هذا الهدف مقابل التخلي عن حزب الله وتصفيته ، فقد بدأت بالتراجع التدريجي البطيء الممنهج — لحفظ ماء وجهها وسمعتها — في دعم حزب الله .
كانت ايران وحزب الله ، يؤكدان على ترابط الجبهة اللبنانية مع جبهة الحرب على غزة . واكدوا غير مرة بان اية مفاوضات لوقف اطلاق النار يجب ان يتزامن بين الجبهتين . وانه اذا تم وقف اطلاق نار دائم في غزة ، فسيتم وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية تلقائياً . لكن ما حصل مؤخراً اكد تخلي ايران عن موقفها بترابط الجبهتين .
وعليه فان وقف اطلاق النار على الجبهة الجنوبية اللبنانية ، فانه سيولد كارثتين فلسطينيتين كبيرتين . الكارثة الأولى تتمثل في التفرغ لجبهة غزة المنهكة المدمرة ، حيث سيعيث فيها العدو قتلاً ، وتدميراً ، وسحقاً ، وسيطرة ، وابتلاعاً لها جزئياً او كلياً .
وسيتخلى الكيان عن طموحه المتواضع بضم منطقة ( ج ) الى ضم الضفة الغربية بأكملها بالاضافة للتخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية في منطقة الناصرة المحتلة عام ١٩٤٨ ، بفضل وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية ، ومستفيداً من دعم ترامب اللامحدود الذي يتخطى كل التوقعات ، ويتجاوز كل الأمنيات الصهيونية .
والكارثة الفلسطينية الثانية ستكون ساحتها الضفة الغربية . حيث اتوقع ان ينفذ فيها العدو ما نفذه في غزة . والذي يتمثل في احداث موجة من التدمير للمباني ، والبنية التحتية ، واستهداف المؤسسات الخدمية الصحية ، والتعليمية ، والمساجد ، والكنائس ، والدفاع المدني ، والجامعات ، ومصادر المياة ، والصرف الصحي ، لتصبح الضفة الغربية غير صالحة للحياة فيها ، وبهذا يسهل على العدو اتباع سياسة التهجير من منطقة الى اخرى ، لتحشر الفلسطينيين على المناطق الحدودية مع الاردن .
وهنا تبدأ مرحلة الأردن . وهي متعددة الأشكال والكوارث التي ستحل بالأردن وتتمثل بما يلي :—
١ )) تهجير الفلسطينيين من الضفة ، وجزء كبير من فلسطينيي الداخل — وخاصة من منطقة الناصرة ذات الكثافة السكانية الفلسطينية — وتهجيرهم الى الأردن .
٢ )) إحتلال منطقة الأغوار الأردنية بأكملها .
٣ )) إحتلال سلسلة الجبال الأردنية المُطلة على الأغوار ، حتى لا يتواجد جيش العدو في منطقة منخفضة وساقطة عسكرياً .
٤ )) تنفيذ ما رشح مؤخراً والمتمثل في إقامة ما يشبه الدولة الفلسطينية في المنطقة الشرقية الأردنية الواقعة على الحدود العراقية السعودية مع الأردن . وهذا أعتقد انه حلٌّ مؤقت .
٥ )) بعدها يتم دمج ما تبقى من الأردن ، مع ما يسمى بفلسطين الجديدة ، في كيان وحدوي واحد ، فيدرالي أو كونفدرالي — سمهِ ما شئت — وعندها سيشهد هذا الكيان المصطنع الجديد انتخابات نيابية ، ستكون نتيجته ، حصول ذوي الأصول الفلسطينية على اغلبية مجلس النواب ، ويصبح ذوي الاصول الشرق أردنية أقلية . والخطوة الأخيرة ، سيتم تطبيق النظام النيابي الملكي الوراثي . وهذا يعني : بقاء حكم العائلة المالكة الهاشمية ، لكنه يصبح مماثلاً لنظام الحكم البريطاني ، حيث يملك الملك ولا يحكم ، وتكون صلاحيات ادارة الدولة في يد رئيس الوزراء ، والذي سيتم انتخابه حسب الأغلبية في مجلس النواب ، وعليه يكون رئيس الوزراء من أصول فلسطينية ، والملك يكون من أصول شرق أردنية . وهذا لا يعني إنتهاء او إكتفاء العدو بما حقق ، أبداً ، بل ستسعى الصهيونية لتحقيق حلمها الأكبر المتمثل من الفرات الى النيل ، ومن الأرز الى النخيل ، والذي يؤكده الخطين الأزرقين المرسومان على علم الكيان .
وبهذا تكون ايران قد حققت اغلب أهدافها بإستخدام أذرعها العديدة كوسيلة لتحقيق غاياتها ، وعليه سترفع يدها تدريجياً عن دعمهم . ويكون الكيان قد أسكت جبهة ، ليتفرغ لأخرى . لأن مقتل الكيان في تعدد الجبهات الذي يربكه ويشل قدراته . وبالنسبة لوطني الأردن ليس أمامه الا ان تنزل عليه السلامة والرحمة والرأفة من ربٍ عزيز كريم رؤوف رحيم ليحفظه .