هل نستطيع تاهيل العقل العربي من جديد
*بقلم الباحث الكاتب سالم محمود الكورة
عضو اتحاد الكتاب والادباء الاردنيين
بات العقل العربي في ازمة خانقة يسودها الغموض جراء ما تمر به منطقتنا من الحروب وويلاتها من قتل وسفك دماء وتهجير قسري وصراعات اقليمية وصراعات عقائدية ومذهبية فالعقل العربي لم يعد يحتمل مايجري على الساحة الدولية حربا هنا وحرب هناك فكل يوم في شأن فاصبح الانسان العربي يعيش في ضنك .
فالفكر العربي اصبح يعاني من عدم الاستقرار والجمود احيانا ويعاني من فضاء واسع غزته التكنولوجيا الحديثة المعاصرة وما تحمله بطياتها من سلبيات وايجابيات فجميعها باتجاه هذا العقل الذي هو مدار بحيثي في هذا المقال والذي ارتايت بان اكتب في هذا المجال لما يعانيه العقل العربي من ازمات فكرية بشتى الوانها واصنتفها وجوانبها التي اعتدنا عليها في عالمنا العربي خاصة والعالم بصورة عامة .
لقد مر العقل العربي في عصور عديدة مختلفة ومتعددة الجوانب الحياتية ففي العصر الجاهلي والذي سمي بهذا الاسم كون الاسلام لم ياتي بعد لينقل تلك الحقبة واهلها من الظلمات الى النور، وكذلك بسبب انتشارالجهل بالقراءة والكتابة وقللة المعرفة واضمحلال المعلومات وشحها في زمن صعب جدا وظروف قاسية كانت تمرعلى البشرية انذاك ولكنهم تحملوا جميع الظروف القاسية فلا نستطيع الذم فيهم وقدحهم فهو ذلك العصر الذي كانت فية الشجاعة والمروءة والصدق واكرام الجار ونصرة المظلوم وسمو الاخلاق واكرام الضيف فهي سمات موجودة في اهل ذاك العصر وقد تغنى بهم الشعراء فحاتم الطائي نموذجا يحتذى به ومضربا للامثال فهوالفارس الكريم الذي سطر في التاريخ الجاهلي اسمه وسيرته الطيبة في الجود والكرم تدونها الكتب والمراجع التاريخية فان ذكرنا الكرم ذكرنا حاتم الطائي الذي ذبح فرسه ليطعم ضيوفه لعدم توفر البديل فلو كان هذا الخطب في زمننا هذا زمن القرن الواحد وعشرين والذي يتميز بالتطور الكبير في وسائل الاتصال والنقل والتقدم التكنولوجي الهائل وغزو الفضاء لتم وضع حاتم الطائي في موسوعة غينيس (Guinness World Records) نظرا لندرة الفعل والتصرف انذاك .
فبعد العصر الجاهلي اتي الاسلام ليكون منارة للمسلمين في سلوكهم ومسيرتهم ودعى نبي الامة علية الصلاة والسلام الى القراءة والمعرفة ففي القران الكريم اتت الدعوة من الله عزوجل في سورة العلق بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق …. ) مخاطبا الله عزوجل العقل البشري بالقراءة والعلم فتبدا السورة بـ اقرا وهو فعل امر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالقراءة والكتابة فقد امرنا الله ورسوله بالعلم والمعرفة فنحن امة اقرأ .
في تلك الحقبة الزمنية التي كانت العقول تمتاز في صفاءها ونقائها وبلاغتها فهي مرحلة انتقالية للافضل وللواقع الجديد فتجد الفكر قد بني على اساس ومبدأ متين وقوي فالمخرجات العقلية الفكرية كانت حاسمة ودورها فاعل في تلك المرحلة بعيدة عن التقاعس والخذلان وقد امتدت الى نهاية حكم الخلفاء الراشدين وبعد الراشدين الى وقتنا الحاضر ولكن اليوم العقل العربي بعد ان كان في صفاء ذهني ورقي في الطرح والتفكير يمر في ازمة عميقة عملت فراغ وتباعد بين الجسد والروح واختلاف في المعايير الذهنية بين الافراد في المجتمع الواحد فكانك تعيش انقلاب فكري وروحي بان واحد، فالجسد لم يعد يحتمل هذا العبيء الكبير .
ان الانسان قد تكون من جسد وروح وعقل في بداية التكوين ثم يكبر في السن فتاتي الغريزة فهو يمر في معادلة خلقية ربانية (جسد ،روح ،عقل ثم غريزة ) فهي مدخلات ومخرجات تنعكس على السلوك الخارجي للفرد وما نشاهده من تصرفات قد تكون سلبية اوايجابية ناتجة عن مركز التفكير وهو العقل والاوامر التي يصدرها، لنجد بان الجسد قد قام بتصرفات وحركات مسؤول عنها المركز الرئيسي في الجسد وهو الدماغ ، فالجسد له غذائه الخاص به والروح ايضا اما الغريزة فهي كالاخطبوط الذي يسيطرعلى الجسد وحركاته بصورة شاملة فان تمت السيطرة عليه دخل الفرد في عالم اللامعقول اي لايصدقه العقل ولا يقبله فاصبح سلوك الفرد غير منطقي وسلبي وقد ينعكس على سلوكه في البيت مع اسرته ثم ينعكس ايضا على المجتمع الذي يعيش فيه .
ان طغيان الغريزة على الفرد وتفكيره جعلت منه فردا احادي السلوك فهمه الوحيد تحقيق ذاته وان كان على حساب الاخرين ، فالغرائز الانسانية متعددة وقد صنفها علماء النفس بانها سلوك بشري غير منظبط فسرها اخرون بانهال سلوك حيواني وقال بعضهم بان الغريزة مرتبطه بالمشاعر المتعددة الانواع منها ( العاطفية ، حب التملك ، السيطرة ،الجنسية ، الادمان ،القيادة .. الخ ) فالغزائز عديدة ومتعددة ويطول الشرح في هذا المجال ولكن للاسف الشديد نرى احيانا بان الامة تنحدر نحو غريزتها وشهوتها لذا فان النتائج ستكون سيئة والمخرجات لاتحاكي الواقع بل ستكون مؤلمة لما نحصده من نتائج مضرة على الفرد والمجتمع ثم الامة التي نحن جزءا منها فهذه مؤشرات استقبلها العقل العربي وعمل بها مما اوصلنا الى ما نحن عليه الان فالفكر العربي نلمس احيانا بانه قد اصابه الجمود وانحدر في المحور الصعب .
قد تكون الاوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها منطقتنا جعلت العقل العربي يعيش هذه المعاناة بنتائجها السيئة وانعكاساتها المحورية الغير متوقعة فالطاقة الفكرية للعقل البشرية لم تعد تقوى على استعياب ما يحصل في ارض الواقع كما كان في السابق فالتراكمات تزداد يوما بعد يوام فمايحدث على ارض غزة من ابادة جماعية يومية لم يعد العقل البشري يتقبل ما يجري فهو مخالفا للاعراف الانسانية والدينية والقانوينية جريمة بشكل يومي لاتجد من يقرع الجرس لايقاف طبول الحرب الصهيونية . انني ارى على الحكومات التي تملك السلطة بان تقوم بالعمل على تاهيل العقل العربي من جديد وذلك ضمن الاطر والاسس المتاحة ويكون ذلك من خلال الدول حيث يتم تشكيل لجان او هيئات متخصصة تضم الاكاديميين والساسة واساتذة علم النفس وعلم الاجتماع ليتم وضع برنامج ومقترح يحاكي الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن العربي وليتم اعداد المنهجية المتكاملة للخروج بتوصيات مفيدة للمجتمع والامة فمن خلال هذا البحث وضعت ثلاثة محاور رئيسية بامكاننا الانطلاق من خلالها :-
المحورالاول الاسرة:- فمن خلال البيت والاسرة نستطيع تحديد الجرعة الفكرية الاولى فالانسان لايعيش لوحده في هذا الكون بل ينطلق من اسرته في مجتمع متجانس فالاسرة هي الاساس للانطلاق في المجتمع فما من مولود الا يولد على فطرة فالبيت هو القاعدة الاولى في الحياة.
المحور الثاني المدرسة والجامعة:-هنا دورا كبير في الاعداد والتاهيل الفكري من خلال التعليم والتلم والطرح الفكري من خلال المنهاج المقرر فيتم طرح المنهاج بطريقة تعالج جميع الثغرات والجوانب الحياتية والاكاديمية العلمية بطريقة يستط الطالب تقبلها واستيعابها .
المحور الثالث الاعلام الرسمي :- ان الاعلام يلعب دورا كبيرا وفاعلا في المجتمع وذلك من خلال الاعلام المرئي مخاطبة العقول ومخاطبة الاشخاص وعمل الحلقات الحوارية ووضع النقاط على الحروف ضمن اسس متاحة وبرامج تحاكي المجتمعات .
فكم اتمنى على الحكومات بان تاخذ هذا الموضع على محمل الجد وتكون هناك دراسات من اجل اعادة تاهيل العقل العربي من جديد .