تحدي الاصلاحات في الأردن وتأثره بالأوضاع الجيوسياسية المحيطة
كريستين حنا نصر
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي والتي عصفت في بلداننا العربية، وفي وقت وصف به هذا الربيع بالخريف العربي، وذلك نظراً لما خلفه من تغييرات كبيرة في المنطقة كانت سبباً في إحداث تأثير واضح على الوضع الجيوسياسي في المنطقة برمتها، فقد نتج عن هذه التطورات السريعة حالة تغيير في الأنظمة القائمة وظهور قوى جديدة، منها ما هو معارض للأنظمة الحالية ويرفع شعارات المطالبة بالحرية والديمقراطية للشعوب، ولكن وللأسف فقد ترجمت هذه المطالب بحروب وصراعات وتغيير على بعض الأنظمة، وإنشاء تحالفات جديدة من الأحزاب الناشئة نتيجة للثورات، وللأسف تبع ذلك أيضاً دخول قوى خارجية إحتلت بعض المناطق وأحدثت تغييرات ديمغرافية فيها، وأوجدت تحالفات جديدة قادت نحو تغيير جيوسياسي للمنطقة بشكل كامل، مؤثرة عليها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً الأمر الذي دفع بالمنطقة اليوم نحو الدخول في مرحلة انتقالية تشهد حالة من بلورة جديدة لمختلف الأمور والمجالات ذات الصلة بالمنطقة وشعوبها، اضافة الى هذه التبدلات والتغييرات فقد لعبت التكنولوجيا خاصة شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً رئيسياً في هذه العاصفة التي تعرضت لها المنطقة وتغيير الكثير بسببها، ومن الجدير ذكره في هذا الصدد الاشارة الى أن بعض وسائل الإعلام ساهت في اسقاط أنظمة اعلامياً قبل سقوطها على أرض الواقع .
وهنا ارغب بتسليط الضوء على تجربة المملكة الاردنية الهاشمية في خوض عاصفة الربيع العربي، وكيف نجحت باجتيازها ومواجهة تحدي محاولة عسكرة المظاهرات وافشاله، انطلاقاً من قيادة وادارة حكيمة، إلى جانب التعامل الواعي والايجابي مع مطالبات الشعب بالحرية والعدالة الاجتماعية، ( علماً بأنه وللأسف أُستغلت المظاهرات في بعض البلدان العربية سلبياً مثل الدولة السورية، حيث جرى عسكرة للمظاهرات فيها مما أثر على وضعها الأمني وأدى الى تدخلات خارجية، ولم تتوافق كل الاطراف في سوريا على كتابة دستور موحد للدولة حتى وقتنا هذا، فما تزال المفاوضات قائمة بينهم على أمل صياغة دستور جديد مجمع عليه)، لذا فإن الاردن نجح في تجاوز الاثار السلبية للثورات وترجمها وبتوجيهات ملكية سامية من صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بإحداث ما يمكن تسميته (ثورة بيضاء سلمية ايجابية صامتة ملموسة)، نتج عنها نهضة وطنية تضمنت اصلاحات شاملة على المستوى السياسي والاقتصادي والاداري والاجتماعي والأهم بمشاركة شعبية ديمقراطية من الجميع، ساهم فيها البرلمان والحكومة ليتم تحقيق الاصلاح عبر حُزمة من التشريعات الجديدة الفاعلة، تتميز بأنها اصلاحية وعصرية ديمقراطية شهدت على سبيل المثال مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية، وأصبحت عملياً ضمن قوانين نافذة معمول بها على الساحة السياسية.
والموضوع الأساسي هُنا هو أن الأردن وبتبنيه لما أسميته بالثورة الصامتة الديمقراطية على صعيد الاصلاحات المتنوعة، جعلت وبكل موضوعية من الأردن نموذجاً دولياً و قدوة يحتذى بها في مسار النهضة، وبالرغم من أن التحديات الجيوسياسية المحيطة بالأردن لم تنتهِ بعد وما زلنا نتعرض لها ونقف في وجهها بعزيمة وثبات، إلا أنه وللأسف نلمس أثرها السلبي على الوضع الاقتصادي الأردني الداخلي خصوصاً قطاع السياحة الداخلية والخارجية وبكل اشكالها، حيث تشير الاحصائيات إلى الغاء حوالي 92% من الحجوزات السياحية وبالطبع هذا مرتبط بظروف المنطقة وانعكاساتها، الى جانب تحديات اقتصادية تواجهها قطاعات أخرى أيضاً، ومع ذلك أعتقد ومن خلال الكثير من المؤشرات والدلائل أن الأردن سوف يدخل مرحلة جديدة تتسم بالنهضة والانجازات، خاصة بعد حزمة الاصلاحات الجديدة، والتي سوف ينتج عنها برلمان جديد وبمشاركة حزبية وقوانين جديدة مرت بمراحل تشريع وتحديث متطورة وعصرية، وهو ما يؤكد دخول الأردن مئوية قادمة قوياً وديمقراطياً وعصرياً ، آمل وغيري من أن نطالع وجوه وقيادات ادارية سياسية جديدة بافكار وبرامج مبتكرة تخدم الوطن والشعب علماً بأنه تم اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، الى جانب التطلع بقدوم حكومات تكنوقراطية قائمة على الشخص المناسب بما يملكه من كفاءة وخبرة في المكان المناسب، والأهم هو تحقيق انجازات جماعية لرفعة الوطن والمساهمة في تقدمه بكل ولاء وطني واخلاص، بعيداً عن المناطقية والمصالح الذاتية الهدامة، وعلى الجميع وضع هدف واحد تدعو وتطالب به التوجيهات الملكية السامية والتي تجلت في فلسفة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وما تبعها من اصلاحات في عدة مجالات على مستوى الاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات، وهو تحقيق مصلحة الوطن في كافة المجالات، وعلى الأحزاب الوطنية اليوم أن تقوم على مبدأ راسخ وهو عدم الاعتماد على أي دعم أو تدخل خارجي يؤثر على مصلحة الوطن، وأتطلع كغيري أيضاً من أبناء الوطن ونحن على اعتاب استحقاق انتخابي مقبل في مئويتنا الوطنية المزدهرة ببرلمان وحكومة عصرية وطنية.