هل مقاعد الأحزاب .. فُصِّلت للأغنياء .. والأغبياء سياسياً ؟

 

عوض ضيف الله الملاحمه

ضاعت مصلحة الوطن ، لا بل ضاع الوطن بضياع قيم غالبية اعضاء مجلس النواب . الدول التي تعيش ظروفاً طبيعية تحقق إنجازات مجتمعية ، وتبني على إنجازاتها بشكل تراكمي ، حتى يستمر التطور والإزدهار ، والإرتقاء بالوطن والمواطن . أما نحن في الأردن الحبيب ، ننتهج نهجاً مُعاكساً ، لدرجة ان المواطن الاردني اصبح مسكوناً بالحنين للماضي ( نستالجيا ) ( Nostalgia for the past ). فمثلاً نَحِنُّ الى دستور عام ١٩٥٢ ، الذي وضعه الملك طلال رحمة الله عليه . كما نَحِنُّ الى الانتخابات النيابية التي جرت عام ١٩٥٦ ، نَحِنُّ لديمقراطيتها ، ونزاهتها ، ونَحِنُّ للوعي الذي تميز به المواطن الأردني ووعيه في إنتقاء أعضاء مجلس نواب بمستوى المهام التي تنتظرهم في التشريع والرقابة .

وبدل ان نبني على تلك التجارب والخبرات ، لتتراكم الإنجازات لما يقارب ال ( ٧ ) عقود وتتعاظم ، ويزدهر الوطن بوصوله الى قانون انتخاب عصري ، يكون قد تماشى وتطور لسبعة عقود من الزمن ليلبي حاجات الأردنيين في إفراز قانون إنتخاب لنا ( ويشبهنا ) ويحقق أحلامنا ، حصل العكس تماماً ، حيث نجري تعديلات كل دورة او دورتين ، لنتراجع القهقرا عند كل تعديل . حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه من قانون إنتخاب دمر قيم الأردنيين وأطاح بمُثُلِهم حتى تشوّه الوطن بأكمله ، واسفرت كل التغييرات والتعديلات عن إختلالات كبيرة .

تخصيص ( ٤١ ) مقعداً للأحزاب كان مثلبة كبيرة لقانون الإنتخاب لأسباب عديدة نذكر منها : ان الدولة الاردنية منعت الأحزاب منذ سبعة عقود ، وكان يُنظر للمنتمين للأحزاب بانهم أشخاص مارقين ، زنادقة ، خونة ، وعملاء . حتى ان الآباء كانوا يحذرون ابنائهم من الإنتساب للأحزاب ، ليتجنبوا المطاردة ، والمساءلة ، والتضييق ، والحرمان من العمل ، والزج في السجون . وبعد ان تجذرت العدائية للأحزاب والحزبيين حتى أصبحت جينية ، سمحنا بإنشاء الأحزاب ، ومنحناها مقاعد متصاعدة عددياً في مجلس النواب . كيف يستقيم هذا !؟ وأُشبه هذا بعدّاء متميز يحوز مواصفات عدّاء الماراثونات العالمية طويلة المسافات ، وتُقعِده ، وتكبل أرجله لسنوات ، ثم تُقرر ان يشترك في سباق ماراثوني بعد يومين مثلاً ، هل يكون قادراً على المشاركة في السباق ؟ والأصح ان يتم تعليمة المشي أولاً بعد التكبيل الطويل .

كيف لأحزاب تأسست قبل أقل من عامين من موعد الانتخابات القادمة ان تَنظمّ للمسيرة ، وتدخل التنافس الحزبي ؟ هل الفترة كافية لخلق تناسق فكري بين الأعضاء ؟ هل عرف الأعضاء بعضهم بعضاً ، وخبروا خبرات وتجارب وقدرات بعضهم ؟ هل مرت على الحزب سنوات ليمارس تبادل القيادات ؟ هل تمكنوا من لعب دور مجتمعي ؟ هل عرفوا الدور الوطني المُناط بهم ؟ هل تمكن المواطن من معرفة أيديولوجيات تلك الأحزاب ؟ هل لدى تلك الأحزاب برامج وطنية واقعية قابلة للتطبيق وفق القدرات والامكانيات الوطنية ؟ ما الذي أضافته تلك الأحزاب للتجربة الوطنية الديمقراطية ؟

يوم السبت الموافق ٢٠٢٤/٧/١٣ ، عُقد إجتماع في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة ، للحوار حول ما يُشاع عن تحديد بعض الأحزاب لسقوف سعرية للمواقع في القوائم الحزبية التي يودون الترشح فيها
للإنتخابات النيابية القادمة تتراوح بين ( ٢٠٠,٠٠٠ — ١,٠٠٠,٠٠٠ ) دينار أردني ، تُدفع للحزب . يا عيب العيب والله ، جعلوا للإنتخابات سوقاً وموسماً تزدهر فيه الأسعار لأهداف مُعيبة . واعتقد ان سبب هذا التسابق المحموم هو إعتقادهم خطأً بان المجلس النيابي القادم سيشهد تشكيل حكومات نيابية . ولا يعلمون ان الحكومات النيابية اذا تمت فانها لن تتم قبل عقدين من الزمن على أقلّ تقدير ، وانها مرتبطة أصلاً في حلّ القضية الفلسطينية .

للحد من هذا الفساد المُعيب ، طرح المتحاورون إقتراحين على الهيئة المستقلة للانتخابات . الإقتراح الأول :— بان تطلب الهيئة من الاحزاب عقد مؤتمر وطني للاحزاب ، بإشراف الهيئة لإنتخاب المرشحين من بين أعضائها ، بإتباع آلية تشبه الآلية المتبعة لدى حزب الإخوان المسلمين .
والإقتراح الثاني :— اللجوء للقائمة المفتوحة للمقاعد الحزبية مثل القائمة المحلية .

المؤشرات تدل على ان الاثرياء سيسيطرون على مجلس النواب القادم ، وعليه سنترحم على المجلس الحالي . وهذا ما ترعاه الدولة العميقة لإعادة إنتاج رجالاتها . حيث هناك بعض الأحزاب التي تم إنشاؤها برعاية الدولة بشكل غير مباشر ، او بالخفاء ، للمحافظة على إستمرار إنتاج الحرس القديم في شغل مناصب الدولة العليا ، وليساعد على توريث المناصب للأبناء وحتى الأحفاد .

المؤسف انه بمرور الزمن تتركز السلبيات في تجربتنا الديموقراطية ( الموهومة ) . والنتيجة انه مع مرور الزمن ينحدر الوطن ، وتنحدر قيم المواطن، وتتعزز قبضة اللصوص ، وتتزايد أعداد العملاء وبائعي الأوطان .

ولمن يجتر كلاماً ممجوجاً مضمونه القاء اللوم على المواطن ، وإستحالة وجود تشريعات تتضمن حلولاً لتلك المعضلات . أقول لهم : التاريخ أثبت ان المواطن الأردني كان يسعى للديموقراطية الحقيقية ، وقد مارسها عندما أُتيحت له قبل ( ٧ ) عقود ، مما يثبت انه جاهز لممارستها ، ويتوق اليها ، لكن تخلّف قانوني الأحزاب والإنتخاب ، مع فقدان الثقة بنهج الدولة الأردنية ، يضاف لهما الفقر والبطالة ، أدت الى ما وصل اليه الوطن والمواطن من إنحدار مؤلم ومُعيب . وكلما مرّ الزمن تزداد فُرص الأغنياء ، والأغبياء سياسياً للإستئثار في مقاعد البرلمان .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button