مخطط سموتريتش: ضم الضفة وتغيير التركيبة الديموغرافية.. الأردن بمواجهة ترانسفير ثالث!
ايهاب سلامة
مخطط وزير مالية الكيان الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي وصفه في خطاب ألقاه خلال اجتماع استيطاني قبل أيام بأنه يشكل “ثورة” و”حدثًا دراميًا واستراتيجيًا ضخمًا سيغير الحمض النووي للكيان الإسرائيلي”، مخطط احتلالي استراتيجي غاية في الخطورة، يهدف إلى إعادة ضم الضفة الغربية وغور الأردن، وتأميمهما، وخلق واقع جديد بتغيير التركيبة الديموغرافية، سيكون له تبعات فلسطينية وإقليمية، أكثر خطورة!
تنفيذ مخطط الضم الذي أجلّ كيان الاحتلال إعلانه في العام 2020، ظل يجري العمل به على قدم وساق من تحت الطاولة، وواصلت سلطات الاحتلال بناء المستوطنات، واستقدام المستوطنين، وقامت منذ بداية العام الحالي فقط بأكبر استيلاء على أراضي الضفة منذ 30 عامًا، تمهيدًا لبناء مستوطنات ضخمة جديدة، وتوسيع رقعة المستوطنات المقامة، وتسمينها، وتطوير البنى التحتية لها، وإنشاء أنظمة نقل جماعي، وطرق جديدة، وضخ الأموال والاستثمارات عليها، والأهم والأخطر وفق تصريحات الوزير المتطرف، أنه سيجلب مليون مستوطن جديد إلى أراضي الضفة الغربية!
الأراضي الفلسطينية التي يشملها مخطط الضم، هي الأراضي المسماة وفق أوسلو بالمنطقة (ج)، التي تشكل (61) بالمئة من مساحة أراضي الضفة الغربية، والتي ستخضع للتأميم أيضًا، ما يعني أنها ستصبح متاحة للمصادرة، فأراضي الفلسطينيين الذين يعيشون خارج تلك المناطق ستصبح وفق قوانين الاحتلال حال ضمها، من “أملاك الغائبين”!
التبعات السياسية والديموغرافية الاستراتيجية الخطيرة للمخطط، تتمثل بتكثيف الواقع الديموغرافي للمستوطنين، على حساب المقابل الفلسطيني، باستقدام مليون مستوطن جديد إلى أراضي الضفة الغربية، المكتظة أصلًا، والتي يعاني الفلسطينيون فيها من معيشة ضنكة، وظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، وحركة مقيدة، بمناطق جغرافية متقطعة الأوصال، تخضع فيها المناطق المسماة (ب) أيضًا والتي تشكل (21) بالمئة من أراضي الضفة الغربية للسيطرة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التامة، ما يعني أن نحو (80) بالمئة من أراضي الضفة ستصبح خاضعة لسلطات الاحتلال وتحت سيادته المطلقة.
تنفيذ مخطط الضم سيتم بطريقة خبيثة، عبر تغيير صبغة الحكم فيها من عسكرية خاضعة لجيش الاحتلال، إلى صبغة احتلالية مدنية، ونقل الصلاحيات العسكرية فيها إلى “هيئات مدنية” تابعة لوزارة الحرب التي يشغل سموتريتش منصب وزير دفاع ثان فيها أيضا، ليصبح من الأسهل “ابتلاع ضمها دوليًا” واستساغته، كما أقر الوزير المتطرف بعظمة لسانه.
جيش الاحتلال، باشر فعليًا بنقل صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية إلى “موظفي الخدمة المدنية” العاملين لدى سموتريتش، الذي اعترف أيضًا في تسجيلاته المسربة، أن هذا المخطط أعدّ منذ عامين ونصف، ويحظى بدعم نتنياهو وحكومته، وأن الحرب في غزة، هي من أعاقت تنفيذه!
أهداف مخطط سموتريتش يمكن حصرها بغايتين: إما سدّ جميع الأبواب بوجه إقامة دولة فلسطينية، وإغلاق مايكروفون الحديث عن “حل الدولتين” للأبد، وتشييع جنازة أوسلو إلى مثواها الأخير؛ وإسقاط السلطة الفلسطينية. أو لفرض سياسة الأمر الواقع عليها للقبول بدولة “مستقلة اداريًا” فقط، وليس جغرافيًا، إن ارتضت لنفسها ذلك، وكلاهما أسوأ من الآخر.
السلطة الفلسطينية المترنحة، لن تصمد أمام هذا المخطط بطبيعة الحال، التي يمنع عنها سموتريتش أموال الضرائب، وتصاريح التداول المصرفي، ويخنقها مالياً، وهي المرشحة أصلًا للانهيار قبيل حتى تنفيذ مخططه.
سموتريتش الذي سبق أن ألقى خطابًا في باريس وأمامه خريطة لحدود مزعومة للكيان، تضم الأردن وفلسطين معًا، وفوقها شعار منظمة “الأرغون” الإرهابية التي تدعو لضم الأردن للدولة اليهودية، يسابقه اليوم، الوزير الأكثر تطرفًا منه، إيتمار بن غفير، بمخطط آخر، يقوم على إنشاء وإعداد مليشيات مسلحة في مستوطنات الضفة الغربية، بلغ تعدادها حتى الآن نحو 600 مليشيا، تضم عشرات الآلاف من المستوطنين المتطوعين الذين جندهم بن غفير، وزودهم بعشرات آلاف الأسلحة!
مخططات سموتريتش/ بن غفير الشيطانية، تدلل على نوايا كيان الاحتلال بتحويل ما يتبقى من فتات الضفة الغربية، إلى معتقل كبير، محاصر بالمستوطنات من جميع الاتجاهات، ويخضع سواده الأعظم للسيادة العسكرية الإسرائيلية، ودون موارد اقتصادية، لتضييق الخناق على الفلسطينيين لأبعد حد، وتحويل مناطقهم مقطعة الأوصال إلى بؤر سكانية طاردة، لا تصلح للعيش، توطئة لتنفيذ مخططهم الأزلي الهادف إلى تهجيرهم شرقي النهر!
الفلسطينيون والأردنيون، يواجهون اليوم مخططًا عقائديًا تلموديًا “مقدسًا” لمعتنقيه، ينص بأن أراضي الضفة الغربية (يهودا والسامرة)، يجب أن تبقى خاضعة للسيطرة اليهودية المطلقة، فهي تمهد وفق رواياتهم التوراتية المزعومة لعودة (المسيخ المخلص) الذين ينتظرونه، وهو ما أكده رئيس الحزب الصهيوني سموتريتش الذي قال أنه يعتزم جعل الضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من الكيان الإسرائيلي.
هذه الأحداث والمتغيرات الخطيرة المتسارعة، تفرض على فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية، الغائبة منذ دهر عن المشهد، وعلى سلطتهم المبجلة، محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بشتى الطرق والوسائل، وتغيير نهجهم الذي فشل طيلة عقود ثلاثة في التعاطي مع كيان الاحتلال، إذا أرادوا لذلك سبيلا؛ مثلما تفرض على الأردن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، قراءة المشهد لحظة بلحظة، والاستعداد لجميع الاحتمالات، والسيناريوهات، ورفع درجة التأهب الوطني القصوى، فالعدو الصهيوني ليس في تاريخه الحافل بالغدر والخيانات احترام لوثيقة أو معاهدة، وكما أسقط أوسلو من حساباته بكل بساطة، سيسقط مثلها بـ “وادي عربة”!