التشريعات الاعلامية في الاردن
بقلم : محمد عبابنة
يعد قانون الاعلام المرئي والمسموع المؤقت الصادر عام 2002 والذي شهد ثباتا نسبيا استمر أكثر من اثني عشر عاما قبل أن ينظر مجلس الأمة فيه ويستبدله بقانون دائم أقر القانون الأكثر ثباتاً عماراً وتطبيقاً، إلا أن التشريعات الأخرى التي تمس الصحافة المطبوعة والورقية لم تحظ بالثبات ذاته، فقد عدل القانون تسع مرات خلال الاعوام من 1998-2015، بل إن قوانين أخرى كقانون منع الارهاب المعدل وقانون محكمة امن الدولة المعدل قد حدت من الحريات الإعلامية وحرية التعبير والرأي ووسعت دائرة التجريم.
إن تطوير التشريعات الإعلامية هو مطلب الصحافيين الأردنيين منذ سنوات، إذ تحاصر المنظومة القانونية الصحافيين بسلسلة من القيود من خلال التفسيرات الفضفاضة للقوانين وإمكانية ملاحقتهم بذرائع مختلفة في حال تناولهم قضايا حساسة ذات شأن عام.
وزارة الاتصال الحكومي تهدف إلى إعداد السياسة العامة للإعلام والاتصال الحكومي والخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها، وتعزيز ثقة الجمهور والمواطنين ووسائل الإعلام والاتصال في السياسات وعمليات التواصل الحكومية.
وتستند في خطتها إلى الدستور الأردني، وما تضمنه من مبادئ أساسية أشارت إلى أن الدولة تكفل حرية الرأي ضمن حدود القانون، والرؤية الملكية للإعلام التي وجهت إلى بناء نظام إعلامي أردني حديث يشكل ركيزة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ووثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتي أشارت إلى أن أحد شروط التحديث السياسي إعلام حديث وتدفق حر للمعلومات، والاتفاقيات والمعاهدات والالتزامات الدولية التي تؤكد احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير.
وظهرت أزمة الإعلام الأردني جلية خلال أحداث مهمة وكبيرة شهدها الأردن ووقف فيها الإعلام موقف المتفرج، ولم يستطع أن يخترق الرأي العام وأن يؤثر به، ولم يستطيع أن يمارس العمل الإعلامي الحقيقي، فعندما يفتقد الإعلام الأدوات ويصبح معتمدا بشكل كامل على علاقته بالسلطة أو رأس المال والمصالح الخاصة، بعيدا عن أي معيار معتبر للمهنية الإعلامية والقواعد التي تحكم حرية النشر، فمن الطبيعي أن يتقلص تأثيره.
وبحسب التصريحات الرسمية للقائمين على الإعلام، باتت تولي أهمية بناء علاقة إيجابية وبناءة مع وسائل الإعلام المرخصة، وتعظيم دورها في التأشير البنّاء إلى مواطن الإنجاز ومواقع الخلل والرقابة على أداء الحكومة. وتكريسا لذلك، ستقوم بتفعيل قنوات الاتصال الحكومي مع وسائل الإعلام وفق معايير مهنية وتعزيز الحوار مع المواطنين والجمهور، بحسب ما جاء في مسودة الوزارة.
من جانبه أكد رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين الأردني نضال منصور أن الصحفي الاردني يكافح بصعوبة بالغة جدا من أجل البقاء على قيد الحياة، بعدما وجد نفسه غارقا في التحديات والأزمات، نتيجة سياسات التدخل الحكومي المتعاقبة في عمله، وعززتها التشريعات المتضاربة التي تنظمه، حتى أصبحت المؤسسات الإعلامية المهمة، تدار كمؤسسات علاقات عامة، وابتعدت عن المعالجات الصحافية الحقيقية والتحليلات الاستقصائية، التي عادة ما تميز عمل المؤسسات الإعلامية.
وأشار منصور إلى أن الديمقراطية لا يمكن أن تنمو إلا بوجود حريات عامة ومن أهم أركان الحريات هي الحرية الإعلامية ومن دون توفرها لا يمكن إقناع الرأي العام بمشروعات الإصلاح السياسي وجديتها، ولا يمكن أن تحمل الإصلاحات السياسية تحولا في البيئة السياسية والحريات، دون أن يتحول الإعلام من إعلام حكومات إلى إعلام دولة يساند الحياة الديمقراطية والمؤسسات الفاعلة بها كالأحزاب والبرلمان. وكانت آخر استراتيجية وضعت لدعم الإعلام في عام 2011 إبان ما عرف بـ”الربيع العربي”، وانتهت بعد خمس سنوات دون أن تحقق إنجازات تذكر.
يرى منصور أن “الإعلام لم يعد سلطة رقابية في المجتمع، وكل يوم تضيق هوامش الحريات التي يتحرك فيها، وحتى منصات التواصل الاجتماعي التي كان يلجأ إليها هرباً من القيود، أصبحت في المرمى، والحكومة تُفكر بتشريعات وأنظمة للسيطرة عليها”.
وبروية، يقول منصور قد “يبدو المشهد الإعلامي في البلاد مُنفتحاً، لكن رؤية ما يحدث خلف خشبة المسرح يشي بحرية مُكممة مُفصلة على مقاس السلطة”.
تقرير حالة الحريات الإعلامية ليس وليد 2020-2021 إنما نتاج عشرين عاماً من العمل على رصد وتوثيق حالة الحريات في الأردن.
يصدر المركز تقريره حول حالة الحريات العامة في الأردن وعموم الوطن العربي، في المقابل تصدر تقارير دولة تصف المملكة بـ “البلد المستبد، وغير الحر”، لكن تقريرنا الوطني يرى أننا ما زالنا نجد هوامش باقية.
يصف منصور الهوامش بـ”الضوء البسيط، الذي يتسرب هنا وهناك، ويمكن توسعته ليصبح فضاءً رحبا”.
هل الاعلام في الأردن مقيد أم مكبل أم حر؟ يتفق المحامي الدكتور صخر الخصاونة الخبير في التشريعات الأردنية مع منصور بأن وضع الاعلام والحريات في الأردن “يدور تكبيلها أو إطلاق الحريات مع االوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تمر به البلد”.
ويلاحظ الخصاونة أن أكثر القوانين كانت عرضة للتغيير والتعديل منذ نشوء إمارة شرق الأردن وحتى الآن هو قانون المطبوعات والنشر والقوانين المتعلقة بحريات الرأي والتعبير، وبالعودة ألى تواريخ التعديلات التي عدلت بها نلاحظ ارتباطها بحدث سياسي أو احداث في المنطقة أو غيرها.
بالتالي، والحديث للخصاونة، موضوع الحريات العامة في الأردن ما يزال غير مستقر من حيث ثبات التشريعات والحالة التي نستطيع أن نتحدث عنها.
ويصف الخصاونة الحريات الإعلامية في الأردن اليوم بما يمكن وصفه “بالأسوأ أو أقل كحرية من قبل عشر سنوات أو أكثر”.
ويفصّل الأسباب التي أوصلت الإعلام إلى “مكبل” إما من حيث القيود القانونية التي وردت في القوانين، وتعددية القوانين التي تنظم عمل حرية الرأي والتعبير، ومن حيث القيود غير المباشرة (قيود دينية، اجتماعية، وأخرى تتعلق بتدخلات غير مباشرة من قبل الأجهزة الإدارية والأمنية).
ويعتقد الخصاونة أنه غير ثابت لدينا كيف يمكن لنا أن نعبرعن رأينا، وكيف للصحافة أن تمارس دورها، وكيف للإعلام أن يكون الرقيب والمحاسب، وأن يكون له دور سلطة شعبية.
ويلفت إلى أن تعدد القوانين التي تنظم حرية الرأي والتعبير كان له دور كبير في الحد من حريات الرأي والتعبير.
ويؤكد الخصاونة أنه يمكن لوضع الحريات الإعلامية أن يتحسن في الأردن، مشيرا إلى أن وضع الأردن أفضل بكثير من دول عربية أخرى وبخاصة فيما يتعلق بالنشر الالكتروني وتقدمنا بذلك.
الخبير الدستوري ليث نصراويين قال أن الترتيب الحالي لحرية الصحافة في الأردن على التصنيفات الدولية ليس بالمرتفع، حيث عادة ما يكون للملاحقات القضائية بحق عدد من الصحفيين والناشرين تأثيرات سلبية على الرأي العام الدولي جراء تناقل هذه الأخبار وتغطيتها خارج الإطار الوطني. في المقابل، فإن المتغيرات الدستورية الإيجابية في مجال حرية الصحافة والإعلام كما عكستها التعديلات الدستورية لعام 2011 لم تأخذ نصيبها الكافي من التوضيح والتفسير.
فبعد أن كانت المادة (15) من الدستور بحلتها قبل التعديل تجيز تعطيل الصحف وإلغاء امتيازها وفق أحكام القانون، ومن خلال أي سلطة إدارية ضبطية مقرر لها هذا الحق بموجب التشريع المعني، أصبح النص الحالي بحلته المعدلة في عام 2011 يحظر تعطيل الصحف ووسائل الإعلام أو إلغاء ترخيصها إلا بقرار قضائي وفق أحكام القانون. فأضحى القضاء الوطني هو الجهة المختصة بإصدار القرارات المتعلقة بوقف وتعطيل الصحف ووسائل الإعلام.
بدوره قال المحامي محمد قطيشات ان التشريع الاردني يزخر بالواجبات المفروضة على الصحفيين والتي تتناثر ما بين قانون الاعلام وقانون العقوبات والتي تتمثل في كل مادة قانونية تجرم فعلاً معيناً وتحدد له عقوبة معينة، موضحاً ان المشرع الاردني قرر صراحة ان للصحفيين المحترفين حق الوصول الى المعلومات ومصادر الخبر وان هذا الحق يشمل حقهم في الاطلاع على الوثائق ووالمستندات الموجودة في حوزة الجهات الحكومية، مشيراً الى ان القانون اشترط ان تكون تلك الوثائق ضمن الوثائق المصنفة قانوناً.
حيث لم يحدد طريقة تصنيف المعلومات او الوثائق، وجعل جهة التصنيف هي الادارة العمومية دون ان يكون للصحفيين او غيرهم حق التظلم من هذا التصنيف ولم يحدد ما هي (الوثائق المصنفة قانوناً).
واكتفى القانون الاردني فيما يخص التشريعات الاعلامية بعدم اجازة نشر او افشاء المعلومات التي من طبيعتها ان تمس او تهدد الامن الوطني او الوحدة الوطنية او امن الدولة ، او تلك التي تكشف سراً من اسرار الدفاع الوطني او سراً اقتصادياً او تمس بحقوق المواطن وحرياته الدستورية او بسمعة التحقيق والبحث القضائي.
واوضح ان القانون الاردني اخذ بنظام التصريح المسبق، وهو نظام لا نختلف من حيث تطبيقه العملي والفعلي عن نظام الترخيص المسبق حيث لا تستطيع الصحيفة ان تصدر قبل تسليمها الوصل او التصريح.