رسالة إلى صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال بمناسبة ذكرى عيد ميلاد سموه….
عبد الله توفيق كنعان
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
إن مكانة الرجالات ومحبتهم في قلوبنا، تستند في عظم مقدارها إلى الأثر الايجابي الذي تركته فينا، يضاف إلى ذلك ما يضيفه هؤلاء الرجالات لمجتمعاتهم وانسانيتهم من طروح ومقترحات وأفكار تساهم في نهضتها الفكرية وتنميتها البشرية، وهذا بلا شك مرتبط في مستوى فكرهم وثقافتهم وما يؤمنون به من قيم ومبادىء، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، نموذج انساني نبيل يجسد العطاء والبذل الذي يتعدى تأثيره حدود الأفراد المقربين له ليتجاوزهم وصولاً للمجتمع الأردني والعربي والاسلامي مروراً بمحطات فاعلة افادت المجتمع الإنساني بشكل عام، الأمر الذي جعل من فكر الأمير الحسن منارة مُلهمة للكثيرين وأنا واحداً منهم، وما زلت وسأبقى أردد بإعتزاز أنني ولي الشرف ، ممن ينهل المعرفة من جامعة الحسن بن طلال، هذه الجامعة الفكرية الوطنية والانسانية في بُعد نظرها وتطلعاتها واستشرافها للمستقبل رغم التقلبات التي فرضتها التحديات.
من هنا يجد المرء نفسه عند رغبته في الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، وتحديداً عن المجالات والجوانب التي اهتم بها سموه وقدم الكثير من الأعمال والطروحات والأفكار والمقترحات على جميع المستويات، بأنه يحتاج للكثير من الوقت لرصد هذه الأعمال ومساحة كبيرة تتجاوز المجلدات لتدوينها وتحليل نتائجها، خاصة أنها جاءت على الصعيد الوطني والعربي والاسلامي والدولي الانساني، كذلك هي منجزات وفعاليات تراكمية إذ كان سموه ولمدة عقود ولياً للعهد للمغفور له الملك الباني الحسين بن طلال، وهي مرحلة متميزة من تاريخ بلدنا يمكن تسميتها بمرحلة البناء وترسيخ أسس النهضة، التي يمضي بها قدماً اليوم وبكل فخر واعتزاز جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، وما زال سموه وبصفته أميراً هاشمياً مخلصاً للعرش والوطن ومحباً للانسانية متطلعاً للسلام والأمن العالمي الشامل، يقدم الكثير من الأفكار والمقترحات والمبادرات المهمة، فعلى الصعيد الوطني والعربي والاسلامي ما يزال سموه يرأس العديد من المؤسسات والمنتديات الفكرية والشبابية والعلمية والاكاديمية والانسانية، إلى جانب رئاسة سموه وعضويته للكثير من المؤسسات الدولية العاملة في مجال السلام والتسامح وقبول الآخر والتعايش وحقوق الانسان وكرامته، ومن مبادرات سموه الدولية : مقترحه في خطاب أمام الدورة السادسة والثلاثين للجمعية العامة للأمم المتحدة المتضمن الدعوة إلى انشاء (نظام عالمي انساني جديد عام 1981م)، كذلك مساهمة سموه في إنشاء (مؤسسة البحوث والحوار بين الأديان والثقافات) و(مؤسسة الثقافات الدولي عام 2002م) و(شركاء في الانسانية 2003م) و ( برلمان الثقافات عام 2004م) وغيرها، وجميعها أعمال انسانية استحق سموه عليها عشرات الأوسمة وشهادات الدكتوراة الفخرية الدولية.
وتعتبر قضايا وحدة الأمة واللاجئين والتغير المناخي والفقر والبطالة والشباب والتعليم والزكاة والتكافل والتضامن الانساني، هي الشغل الشاغل لسموه، حيث عمد سموه خلال العديد من المناسبات نحو اطلاق منظومة ممنهجة من الأفكار والاستراتيجيات تعنى بهذه القضايا وتواجه انعكاساتها، تاركاً سموه للمؤسسات المعنية والأفراد المهتمين الفرصة للعمل على تنفيذها ومواصلة تطويرها، والملاحظ أن الحلول المقترحة من سموه تعتمد بالدرجة الأولى على التشاركية الانسانية، بمفهومها الواسع الذي يضمن قاعدة تعاون تستوعب جميع الأطراف تعزيزاً للمسؤولية الجماعية، ومن ذلك إنشاء (مؤسسة عالمية للزكاة والتكافل الإنساني) يناط بها مهمة تأمين الاحتياجات الاساسية للإنسان، وإنشاء(نظام معلوماتي وطني لبناء إقتصاد معرفي) ليكون سبيلاً لتوفير المعلومات الوطنية المعنية بالموارد، بهدف استخدامها مؤشراً للخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وإنشاء (بنك إقليمي لبيانات المياه ) يساهم في توفير الامن المائي والغذائي العالمي، كما يدعو سموه نحو (تعزيز كرامة الإنسان وتمكينه بالاستناد إلى فهرس الحرمان المتعدد) باعتباره أداة علمية ومؤشر تعتمده العديد من الدول لتحديد أوجه العوز والفقر.
وبخصوص وحدة الأمة، وهي مبدأ ورسالة هاشمية أصيلة منذ النهضة العربية الكبرى، فقد ركز سموه على العمل الجماعي ممثلاً بدعائم الأمة وأعمدتها الاربع ( العرب والترك والفرس والكرد)، مستنداً سموه لفكرة التقارب الديني والتاريخي والفكري والتطلعات الواحدة بينها، منوهاً سموه إلى أن اقامة وحدة عربية لا يشترط ان تكون شاملة في أولى خطواتها، ولكن من خلال مجالس أو تشكيلات اقليمية مثل مجلس التعاون ودول المشرق ودول المغرب العربي على غرار الهيئة الحكومية للتنمية بشرق افريقيا، وما يجري اليوم في غزة هاشم من عدوان اسرائيلي متواصل على فلسطين المحتلة منذ عقود، يشكل تحدياً لامتنا وأمنها ومستقبلها، لذا يرى الأمير الحسن أن وحدة الشعوب العربية اليوم تجاه ما يجري في غزة هو بداية ومنطلق لوحدة الامة كلها، موضحاً سموه في الوقت نفسه أن التضامن والتظاهرات الحاشدة في العالم نصرة لغزة هي تعبير عن انسانية الانسان، ودعوة صريحة للعالم ومنظماته بسرعة انقاذ الشعب الفلسطيني ومساندته، ملخصاً سموه ما يجري ضد أهلنا في غزة بسياسة الابادة المتمثلة بالقتل والتجويع والتدمير، ومن المعلوم أن العدوان والابادة الوحشية الاسرائيلية على غزة ومأساة أهلها المدنيين العزل، لم تكن هي القضية الوحيدة التي حرص سموه على بيان مأساتها للعالم، بل تشكل أيضاً طروحات ورسائل ومؤلفات ومقالات سموه الاخرى المتعلقة بالقضية الفلسطينية والقدس وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره والحفاظ على هويته وانشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، جميعها محور اهتمام سموه الهاشمي المتمسك بالدور التاريخي والتضحيات الاردنية التي تتوجها التضحيات الهاشمية، صاحبة الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ممثلة بجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله والى جانبه ولي عهده الامير الحسين بن عبد الله الثاني حفظه الله.
سيدي حسن حفظكم الله، أيها الأمير الهاشمي الأصيل النبيل الذي أحبه جميع أبناء الوطن من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، هذا الوطن العزيز الذي عرفتم سموكم رجالاته الكبير والصغير منهم ومدنه وقراه وباديته، وأنتم سيدي الأمير المفكر الكبير بتطلعاته وطروحاته، سيدي حفظكم الله إن الانسان منّا مهما تعددت مهاراته البحثية ومطالعاته في سيرتكم الكريمة، يجد نفسه عاجزاً ومعه جميع المفردات والعبارات عن الاحاطة بمسيرة طويلة مباركة من العطاء والبذل جسدها سموكم عبر عقود، ولكن الاحتفال الميمون بذكرى عيد ميلادكم يلزم من عرفكم ويعمل بمعيتكم ويتعلم الكثير من جامعة الحسن الوطنية والعربية والاسلامية والانسانية أن يقف على بعض محطاتها، لتكون هذه المسيرة الحافلة نموذجاً لنا بالمواطنة والانجاز، فكل عام وسيدي الامير والعائلة والاسرة الهاشمية وانتم بالف خير، سائلاً الله العلي القدير، أن يمدكم بطول العمر والصحة والعافية وراحة البال وهدوء الفكر، وأن يحفظ سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين والعائلة الهاشمية، ليبقى الأردن وأهله موطن العز والكرامة والشهامة مدافعاً عن أمته ووطنه مهما بلغت التضحيات وكان الثمن.