الانشغال العالمي بحرب غزة وانتهاز النظام التركي الفرصة لضرب الشمال الشرقي السوري مؤخراً والتهديد بعملية برية جديدة
كريستين حنا نصر
بشكل متزامن مع الحرب القائمة في غزة وما رافقها من اهتمام وتركيز اعلامي كبير، يستغل النظام التركي الظروف الراهنة لضرب الشمال الشرقي السوري، وتحديداً قوات سوريا الديمقراطية التي يقصفها بشكل متكرر ومتزايد منذ بداية النزاع السوري بما في ذلك ضربات بواسطة الطيران المسير، في وقت يغيب معه الدور المفترض للإعلام برصد تلك الأحداث والتطورات الجارية ووضع الرأي العام العالمي بصورتها، خاصة أن الوقت الحالي يشهد تهديداً تركياً بشن عملية عسكرية برية جديدة على شرق الفرات.
فعلى مدى السنوات الماضية لعبت تركيا دوراً واضحاً سمته التدخل في سيادة الدولة السورية، وكذلك التدخل في السيادة العراقية أيضاً، من خلال شن ضربات عسكرية على أراضي الدولتين، والسؤال المطروح، هو ماذا استهدفت تركيا عملياً بضرباتها على الشمال السوري مؤخراً ؟، للأسف فإن جُل الضربات وجهت لمقدرات الشعب السوري في القامشلي ومناطق أخرى بالشمال الشرقي السوري، حيث تمّ قصف مؤسسات الطاقة الكهربائية وللمرة الرابعة على التوالي، ومخازن الحبوب والكوادر الطبية ومنازل المدنيين والبنية التحتية بما فيها الطرق الرئيسية، كما شملت الضربات حقول النفط والطاقة مثل حقل السويدية وحقل عودة في القحطانية.
واستناداً لمواد القانون الدولي فإن مثل هكذا ضربات تشكل اعتداء على القانون الدولي وبمثابة حرب ضد الانسانية، ومع ذلك فإن القانون وهيئة الأمم المتحدة ومنظماتها لم تنجح في حماية المدنيين في معظم مناطق النزاعات المسلحة، علماً بأن الحالة في الشمال السوري هي ليست نزاعاً مسلحاً باعتبار أن حزب العمال الكردستاني وقوى سوريا الديمقراطية لم تشن أي اعتداءات تجاه الجار التركي، الذي يزعم تعديهم على الحدود وهي ذريعة يستغلها لشن ضربات على مناطقهم، وهذا ما يؤكد ويدلل على أن الاعتداءات والاختراقات هي من الجانب التركي فقط.
وفي ظل هذه الاعتداءات التركية لطالما أكدت مراراً الادارة الذاتية لسوريا الديمقراطية نفيها لجميع المزاعم والمسوغات التركية التي تزعم شنها ضربات على جارتها تركيا، وتنبغي الاشارة الى أن تركيا وعلى مدار السنوات السابقة قامت بعدة معارك برية في اطار استغلالها لواقع النزاع السوري، منها معركة ( نبع السلام) و(غصن الزيتون) التي دمرت على اثرها تركيا البنية التحتية وقتلت الكثير من الضحايا المدنيين، واليوم فإن تركيا تستغل العديد من الأمور في ضربها للشمال الشرقي السوري، وفي مقدمتها الانشغال الاعلامي بحرب غزة إلى جانب الصمت الدولي عن تعدياتها، كذلك صمت الحكومة السورية الأيام الماضية عن الاستهداف التركي للجيش السوري في ريف القامشلي، اضافة إلى ضرب تركيا لمواقع في معظمها مدنية يغيب عنها صفة الهدف العسكري.
ان طبيعة المواقع المدنية والخدماتية المعيشية التي تستهدفها الضربات التركية تعكس الهدف والغاية الاستراتيجية منها، وهي خلق بيئة غير صالحة للحياة يجبر على اثرها الأهالي بالهجرة القسرية، وبالتالي محاولة تركيا اجراء تغيير ديمغرافي لمنطقة شرق الفرات، تمهيداً لاحتلال المنطقة لاحقاً كما حدث على سبيل المثال عند احتلال مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، ويتضح من مجريات الأمور أن تركيا تسعى مجدداً إلى كسر قواعد الاشتباك في الشمال السوري المتفق عليها بضمانة دولية من أمريكا وروسيا.
وفي حال استمرار الضربات التركية وتعدياتها على الشمال الشرقي السوري وقيامها بحرب برية جديدة، فإن كل ذلك ينذر بتصاعد الأوضاع نحو حرب مفتوحة بين قوات سوريا الديمقراطية والاحتلال التركي بإعتباره يحتل الأراضي في الشمال الغربي لسوريا مثل جرابلس والباب وادلب، ويتضح أن الضربات التركية بدلاً من مخطط تفكيك المنطقة وتدمير نسيجها الاجتماعي والاقتصادي، أدت إلى نتيجة أخرى ايجابية للسكان تمثلت بتعزيز الوحدة الوطنية وزيادة مستوى التكاتف بين جميع المكونات الاجتماعية التي تعيش بالمنطقة، وبالتالي انسجام واضح بين السكان وقوات سوريا الديمقراطية والادارة الذاتية والنهج الاصلاحي القائم في المنطقة والتي تدافع عنه هذه المكونات، بصورة تقضي بها عمليا على المزاعم التركية بأنها مجرد جماعات انفصالية وارهابية.
وعلى الصعيد الدولي فإن الاتفاقية التي وقعت عام 2019م بين تركيا وامريكا وايضاً تركيا وروسيا لخفض التصعيد ووقف اطلاق النار وضبط ومراقبة حدود التماس من خلال دوريات مشتركة، لم تشكل ردع عملي لتركيا التي تستمر في استئناف ضرباتها الجوية هنا وهناك في الشمال الشرقي السوري وبتعدي واضح على الاتفاقية، التي لا تعطيها أي حق للقيام بضربات أوعمليات عسكرية برية، هذه العملية العسكرية التي تلمح لها تركيا مجدداً هي مجرد تسويق دعائي داخلي فقط، باعتبار ان الاتفاقية السابقة تردعها، ومع كل ذلك فانني لا اعتقد أن بإمكان تركيا اليوم شن عملية برية جديدة شاملة في منطقة شرق الفرات، وذلك مرده أسباب داخلية تتعلق بالانتخابات، خاصة محاولات الحزب التركي الحاكم ترحيل المشاكل الداخلية السياسية والوضع الاقتصادي الى الخارج، وأبرزها مشكلة انخفاض قيمة الليرة التركية.
ان تركيبة قوات سوريا الديمقراطية لها خصوصيتها ورمزيتها الوطنية، حيث تشكلت بعد احتلال داعش لشرق سوريا واعلانها ما يسمى عاصمة الخلافة الاسلامية في مدينة الرقة، وهذه القوات تتميز بهويتها الجامعة المتمثلة بالمكون العربي من العشائر العربية والأكراد والسريان والأرمن والتركمان، وهي في حقيقتها مكونات لشعوب واهالي المنطقة التي حررت الرقة من داعش حيث حظيت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي ، ولديها اليوم برنامج ادارة ذاتية يتطلع لايجاد حل سياسي سوري سوري بين مكونات الشعب السوري وليس حل يستند لقرارات تتخذها مؤتمرات خارجية، بل حل سياسي يتضمن حكم ديمقراطي لا مركزي تعددي لسوريا موحدة بكامل اراضيها.