جون كيربي .. ملك الدراما

 

 

د.أحمد رفيق عوض

رئيس مركز الدراسات المستقبلية/ جامعة القدس

نحن بصدد شخصية رفيعة و تكاد تكون صورة و نموذجاً حقيقياً ولامعاً للنجاح بمعناه الامريكي و العالمي ايضاً، نحن نتحدث عن جون كيربي منسق مجلس الامن القومي الامريكي للاتصالات الاستراتيجية، اذ ان سيرته الذاتية و العملية تعكس هذا الجهد و الدأب و النجاح بل و اللمعان ايضاً.

فمن متحدث بأسم وزارة الحرب الى متحدث بأسم الخارجية الامريكية وهو منصب رفيع و  هام في الحياة الديبلوماسية الامريكية و العالمية و اخيراً الى متحدث بأسم اهم و ارفع مجلس امني قومي للولايات المتحدة.

جون كيربي مثير للانتباه، فهو كاثوليكي مثلا، و كانت اولى درجاته الجامعية في الفنون، و لكنه انتقل سريعاً الى الخدمة العسكرية في البحرية الامريكية حصل بعدها على درجتي ماجستير في العلاقات الدولية و الامن القومي و الدراسات العسكرية  برتبة لواء، بكلمات اخرى، نحن امام رجل كامل الاوصاف ، سيرته الذاتية و العملية سيرة مشرفة و مصقولة تخلو من العيوب و الشوائب ، و تتميز بالمرونة و التقدم و النجاح و تسنم المناصب الاكثر اهمية في الحياة السياسية الامريكية، و ربما يشكل هذا النموذج حلم كثير من الشبان الامريكيين الراغبين في الانخراط في الحياة العملية الامريكية التي تتميز بالتنافس الشديد والمعايير الدقيقة و الشديدة ايضاً.

هذه الشخصية الرفيعة، التي تمثل الشخصية الامريكية و السياسية الامريكية و الثقافة الامريكية، تتميز بكل ما سبق من صفات و مزايا، فهي مرنة بما يكفي لأن تتبرأ من اي موقف سابق، وان تبرر كل جريمة او تجملها او تسوقها او او تنقلها من مفهوم الئ مفهوم.

جون كيربي بعضلات وجهه المرنة و سهلة الحركة و القادرة على تمثيل اي موقف مهما بلغ تعقيده و نظرة عينيه الثاقبتين و حركة شفاهه الرفيعة التي يضيف بها على كلماته معنى اخر، كل ذلك جعل منه نموذجاً حقيقياً و ملموساً للموقف الامريكي على اطلاقه، فهي تستطيع ان تتخذ الموقف و نقيضه بنفس اللحظة، و هو يستطيع ان يكون نصيراً للانسانية و حقوق الانسان  هنا و ان يكون عكس ذلك هناك، لديه قدرة بلاغة و قاموس كبير من المفردات يستطيع من خلاله ان يصوغ موقف بلاده السياسي و العسكري او حتى الاخلاقي بطريقة خليطة ما بين السذاجة و الخبث و الذكاء و تصنع الغباء و انكار الواقع او تخيله او خلقه.

لغة هذا الرجل لغة تشبه سياسة بلاده و تاريخها ايضاً، فهي لغة الاطماع و العدوانية و الشهوانية و الاستعلاء في غلاف من ادعاء الاخلاقية و التنويرية و الحداثة، لغة مضحكة عندما تدعي الرفعة و الاخلاقية و القانونية فيما هو تسويغ للاحتلال و الاستحواذ و الدفاع عن المصالح.

المشكلة هنا، كما تتجلى لدى جون كيربي ان الرجل ـ و رغم ذكائه بالتاكيد ـ يجهد نفسه في البحث عن صياغات لغوية بالغة الدقة للتعبير عن الموقف الامريكي المتناقض، و لان الرجل ـ لخلفيته الفنية ربما او خلفيته الكاثوليكية ربما ـ يشعر بهذا التناقض، فتتحرك عضلات وجهه و شفاهه بطريقة يتضح فيها التناقض بين الموقف الاخلاقي و الموقف السياسي بطريقة يبدو فيها الرجل غير واثق على الاطلاق من كلامه، فيرتبك و يرمي بصره الى الارض، و يهز قبضته في الهواء، و يزم شفتيه ثم يفردهما، و تبدو المسافة واضحة بين مواقف امريكا وما تدعيه من مبادئ وقيم.

يبدو الرجل في لقاءاته الصحفية ملكاً للدراما حقاً، ذلك ان الممثل الحق يعرف ان الكلام له جسد و ان الجسد له كلام و انه لا يمكن الفصل بينهما، و كيربي، الذي تعودنا على تصريحاته و كلامه و عضلات وحهه يعرف تماماً انه يعبر عن سياسات بلاده لا عن قيمها، و ما يجري في قطاع غزة و الضفة الغربية المحتلة و القدس الشرقية اكبر دليل على ان الحقوق لا يمكن ان تغطى بغربال او تمحى لمجرد بلاغة فائقة او قدرة مميزة على التخلص من الحرج او الاحراج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى