التمكين الحضاري للمرأة قراءة في البُعد التاريخي والجهود الهاشمية

كريستين حنا نصر

تمثل المرأة في الحضارة الانسانية ركيزة اجتماعية وفكرية مهمة، فهي اضافة الى كونها عنصر أساسي طبيعي في نشأة الحضارة، فهي كذلك شريحة اجتماعية يقع على عاتقها مسؤوليات وواجبات مهمة من شأنها دعم مسيرة تنمية المجتمعات، وتفعيل عجلة التطور خاصة في عالمنا المعاصر وعلى مختلف المجالات، وفي بلدنا العزيز وبنفس السياق العالمي الحريص على تمكين المرأة، فقد حظيت المرأة الأردنية باهتمام مباشر من قيادتنا الهاشمية .
وقراءة سريعة للمرأة في التاريخ الحضاري وعبر كافة مجتمعاته الانسانية كانت وما تزال محط إهتمام، فلم تكن مهمتها تقتصر على التربية والاعمال المنزلية فقط، بل تنوعت انشطتها لتشمل الفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعها، فقد ساهمت جنبا الى جنب مع الرجل ( في صناعة تاريخ حضاري مشترك، التحمت معه في معركة تحرير الارض والانسان وتسخير الموارد لتحقيق رفاهية المجتمع وصناعة الحاضر والمستقبل)، فالمرأة في الحضارات القديمة كانت حسب اعتقادهم أحياناً رمزاً للخصب والقوة التي تمنح الرجل الحكمة ( كما هو حال الاله الوثني زيوس اليوناني فحكمته مستمدة من زوجته الالهة ميتس)، وفي الحضارة السومرية ( الالهة شمس كانت رمزاً للعدالة والمساواة)، وفي حضارة اسبرطة ( دويلات المدن اليونانية) منحت المرأة الميراث والحقوق، ومع ذلك كانت المرأة عند بعض الحضارات، لا تحصل بشكل كاف وعادل على حقوقها ففي الحضارة الرومانية لا يحق لها دخول المعبد، وفي الفارسية كانت ملك للرجل، وفي الهندوسية هي عبدة للرجل اذا مات زوجها يوقف عنها الطعام حتى تموت وتدفن معه.
وبتتبع تاريخ منطقتنا وحضارتنا العربية الاسلامية، وبالرغم من محاولات بعض الدراسات الاستشراقية تغييب مكانة المرأة، الا أن هناك الكثير من الشواهد المؤكدة على انها كانت تحظى بمكانة مهمة فهي الشاعرة والطبيبة والتاجرة والاميرة والملكة، ومن ذلك مثلا بلقيس ملكة سبأ وزنوبيا ملكة تدمر وشقيلة زوجة الحارث الرابع ملك الانباط التي ظهرت صورتها على النقود، ولاشك أن الاسلام كان له الاثر الواضح في منح المرأة مكانة بارزة، حيث وفر لها من عوامل التمكين والنجاح الشيء الكثير، حتى اننا نطالع اسماء الكثير من النساء في كافة الحقول المعرفية ومناحي الحياة الاجتماعية ( الطبقة العامة والطبقة الخاصة الحاكمة)، واليوم فان مجتمعنا العربي في بلاد الشام عامة والاردن خاصة، انطلق في تعامله مع المرأة من عدة معايير منها أولاً : القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية وثانياً : التعاليم والنصوص الدينية، وثالثاً : القوانين والانظمة المدنية، لذلك وحتى نفهم حقوق المرأة وسبل تمكينها يجب علينا البحث في هذه الاسس ومحاولة صياغة استراتيجية واقعية تدعم المرأة وتوفر لها مناخ التنمية، وبحسب الاستراتيجية الوطنية للمرأة في الاردن (2020-2025) بلـغ عـدد الاناث في الاردن (4.9) مليـون نسـمة وبنسـبة بلغـت 47.1 % مـن مجمـوع السـكان الكلي عام 2019م، كمـا شـكلت نسـبة الاناث ضمن اعمار أقـل مـن 15 سـنة 35.6 % ، ونسبة الاناث من اعمار ما بين 15-64 حوالي60.6 % ، والنساء ضمن عمر 65 فاكثر حوالي 3,8% ، وهذا مؤشر على ان المجتمع فتي يحتاج الى عناية تعليمية ويمكن في نفس الاوقات الاستفادة منه في مجال الانتاج ( لتوفر ايدي عاملة كبيرة)، ومن المعلوم أن لوائح حقوق الانسان نصت على حقوق المرأة ومنها الحق في العيش دون التعرض للعنف بصحة نفسية وجسدية مثالية، ويتاح لها فرص عادلة من أجل التعليم بكافة اشكاله ومستوياته، كذلك الحق في العمل ضمن الحصول على اجور عادلة وبيئة عمل آمنة، ولها الحق في المساواة والحرية والامن الشخصي، والاردن باعتباره من الدول الموقعة على لوائح حقوق الانسان بما فيها المعنية بالمرأة، عمد الى اصدار تشريعات من شأنها تعزيز مشاركة المرأة وتمكينها في المجتمع سواء كانت تشريعات سياسية (نموذج قانون الانتخابات والكوتا) او اقتصادية( قانون العمل والاستثمار) ، غير أن ثقافة المجتمع بما في ذلك بعض الاسر، تتردد في قبول فكرة مشاركة المرأة وترفض قبول خروجها خارج اطار مفهوم الاسرة وعدم مساهمتها في انشطة المجتمع المحلي كعضو فعال.
ولأن تمكين المرأة، مصطلح يقصد به العملية التي تستطيع معها المرأة وبكل حرية التمكن من اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تُكسبها قوةً تُمكّنها من إدارة حياتها في كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتصبح عمليا عضو فعال ومؤثر في مجتمعها، وهذا يتطلب توفر عناصر وهي ( ملكية الموارد المالية، والادارة الذاتية الحرة)، فقد حظيت استراتيجية تمكين المرأة بارادة ملكية سامية وتوجيهات مستمرة من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، منها عنونة الفصل الثاني من الدستور الاردني بـ( حقوق الاردنيين والاردنيات وواجباتهم)، واضافة الفقرة السادسة من المادة السادسة من الدستور والتي تنص على ( تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع بما يضمن تكافؤ الفرص على اساس العدل والانصاف وحمايتها من جميع اشكال العنف والتمييز)، وفي عهد جلالته تم تبني نظام الكوتا عام 2003م، وفي عهد جلالته صدر قانون الاحزاب السياسية ونص على الا تقل نسبة المرأة 20%، وفي عام 2007م خصص من مقاعد أعضاء البلديات 20% للنساء وارتفع عام 2013م الى 25%، وعلى خطى جلالته ونهجه كانت مبادرات جلالة الملكة رانيا العبد الله ورعايتها للقطاع النسائي، فمن اقوال جلالتها بحق المرأة : (يد تعمل بمجالات مختلفة، وأخرى تبني أسرة وتربي أجيالا)، كما تترأس الملكة رانيا العبد الله المجلس الوطني لشؤون الأسرة الذي أسس بإرادة ملكية سامية في أيلول 2001م، والذي تضمن العناية بالمرأة بوصفها عماد الاسرة، وعام 1995م اسست جلالة الملكة رانيا العبد الله مؤسسة نهر الاردن، والتي تقوم بتنفيذ مشاريع عديدة تساهم في تمكين المرأة لتعزيز المهارات التقليدية الحرفية والانتاجية وتحسين المستوى المعيشي للمراة والاسرة.
ولكن على الرغم من الجهود الاردنية في مجال دعم المرأة وتمكينها الا ان هناك العديد من التحديات التي تتطلب اعادة النظر في التشريعات والقوانين والعمل على تطويرها في مجال تمكين المرأة ، ومن هذه التحديات مثلاً حق الميراث الذي يقابله للاسف العنف الاسري الذي يسلب المرأة هذا الحق وباشكال متنوعة من العنف، يضاف الى ذلك تحدي تفاوت الاجور ومعيقات المشاركة السياسية التي ما تزال في مراحل مبكرة تحتاج للدعم، ومع ذلك تبقى المرأة الاردنية وبما تمتلكه من خبرات ومهارات ومعارف نموذج دولي للعطاء والانتاج، وقد حصلت العديد من النساء الاردنيات على جوائز تقدير على انجازات مهمة، ونتطلع اليوم ان تحصل على ظروف ومناخ وامكانيات اكثر لتستمر مسيرة العطاء والبذل الوطني التي تقوم بها المرأة الاردنية بكل ولاء وانتماء واخلاص .

Related Articles

Back to top button