الإنتخابات النيابية ..كارثة إجتماعية

 

عوض ضيف الله الملاحمه

 

لا تكاد تهدأ النفوس ، وتعود العلاقات الى وتيرتها الطبيعية بين الناس ، إلّا وتأتي إنتخابات جديدة — وما أكثر أنواعها — فتعكر صفو الحياة بين الأهل والأحبة والأقارب والجيران والنسايب والأصدقاء . تتعكر تلك العلاقات الطيبة الدافئة الودودة التي طابعها المحبة ، والمودة ، والحرص على التلاقي ، والكرم ، والتكريم ، والمواساة في الأتراح ، والمشاركة في الأفراح . فتتحول الى تجهم في الوجوه ، وتختفي الإبتسامة ، ويُحجَم عن القاء تحية الصباح والمساء ، وتكتنفها بدلاً من ذلك غِلظة ، وتناحر ، وغضب ، وقطيعة ، وتباعد ، وتناحُر ، ويحل الجليد في القلوب محل الدفء .

والله ، ثم والله ، ثم والله ، إن الإنتخابات التي تجري في الأردن  لا تجلب للوطن خيراً ، بل دماراً إجتماعياً عزّ نظيره . ويمكن ان نقول — معليش — لو انها تجلب أية فوائد ترتقي بالوطن . فالإنتخابات النيابية لا تجلب للوطن اي خير لأن مجالس النواب فاقدة للشرعية حتى لو انها منتخبة لسببين اولهما :— إنخفاض نسبة التصويت ، وهل ( ٢٩,٩٪؜ ) نسبة ممثلة للشعب الأردني حقاً وحقيقة وواقعاً !؟ وثانيهما :— تغييب او مصادرة او إنتزاع الدور الرقابي والتشريعي الذي من أجله تأتي المجالس .  إذاً ما الجدوى منه سوى انه يبصم للحكومة التي يفترض انه مراقباً لأدائها ومصوباً لأخطائها !؟ اما انتخابات مجالس المحافظات فالوضع — أسخم — لانها منزوعة الصلاحيات ومهما اجتهدوا لا يحصلون على الدور الفاعل المنشود منهم . لكن الإنتخابات البلدية رغم مضارها الكثيرة الا انها ضرورية جداً ولا بديل عنها ، وتبقى أفضل من التعيين .

يا ناس ، يا أردنيين ، لماذا لم تأخذوا أمر الإنتخابات بكل أريحية ، وتصرفات حضارية ، ولتلتمس لأخيك عذراً ، واحتراماً لشخصه وقراره واختياره ؟ ليسعى كل منكم في مناكبها ، ويقابل كل مرشح الناخبين في دائرته ، وليعتمد اسلوب الإقناع ، وليعرض خططه واهدافه من الترشح ، وليتقبل الجميع ذلك ، وليختار الناخب من ينتخب بحرية وأريحية وحضارية .

لماذا — الدسدسه — ومحاولات التشويش ، والتشويه ، واطلاق العنان للخيال الواهم الكاذب الدنيء الرخيص لنسج قصص تشويه على الأغلب ليست من صفات وافعال وقناعات المرشح المنافس .

يا ناس لعلمكم غالبية المترشحين يعتبرونكم جسراً للوصول الى اهدافهم ، او وسيلة لإمتطائكم ليرتقوا ويحققوا إنجازاً شخصياً ، ليس أكثر . فلماذا تخسرون بعضكم من أجل الذين لا يحفلون بكم !؟ كلكم تعرفون انكم لن تروهم بعد اغلاق الصناديق وإعلان النتائج ، الم يحدث مع الكثير منكم انهم لم يردوا على إتصالاتكم ، ولم يعبأوا بالتقرب منكم . ثم الم تسمعوا ان غالبيتهم المطلقة يغيرون أرقام هواتفهم . ومن كانوا يقيمون في المحافظات قبل الإنتخابات ينتقلون بقضهم وقضيضهم الى العاصمة ويتنكرون لقُراهم ومدنهم ومحافظاتهم !؟ ولا يذكرونها او يتذكرونها الا مرّة واحدة في السنة عند مناقشة الموازنة العامة للدولة ليستعرضوا ويطالبوا بمشاريع وخدمات يعلمون انه لن يُستجاب لهم لأن الموازنة مُنهكة !؟

إستمعت مرات عديدة للقاءات مع مسؤولين يبررون بيع الأصوات والمال السياسي  الفاسد الأسود فيقولون ان المال السياسي في كل دول العالم وحتى امريكا — التي يسمونها أُم الديمقراطية — وينسوا او يتناسوا ان المال السياسي في امريكا يتم جمعه تبرعاً من مؤسسات ورجال أعمال لتغطية كُلف الحملات الإنتخابية ويُعلن عنه للعامة وتتسلمة لجان خاصة تُشرف على إنفاقة والمترشح والناخب لا يقبضان منه شيئاً .

يا ناس ، لماذا لا يتم التنافس بشرف ورقي ؟

ثم لماذا لا نُقدِّر انه أحياناً يكون هناك علاقات خاصة بين الناخب والمرشح تتطلب  دعم مرشح بعينه ، ولِما لا ؟ لماذا يتم تطبيق معيار خاطيء من ليس معي فهو ضدي ؟ ويكثر العتب والزعل ومهاجمة من لم ينتخبك ، وتشيح بوجهك عنه ولا تُلقي عليه التحية ، لماذا ؟ انت قررت ان تنتهج طريقاً لتطوير مستقبلك ، ما شأن الآخرين بك !؟

للتقليل من سلبيات الإنتخابات ، في عام  ١٩٩٧ ، قدمت إقترحاً لبعضٍ من عشيرتي / الطراونة ، بأن أضع نظاماً داخلياً للعشيرة لغايات التنظيم خاصة فيما يخص الإنتخابات النيابية ، لكنه لم يرَ النور . وكنت أنوي إقتراح مجلس للعشيرة يمثل كافة فروعها . على  ان يشتمل النظام على :— أسس تتضمن المواصفات المطلوبة فيمن يود ان يرشح نفسه لسباق النيابة ، وكذلك ضرورة وجود شروط في الشخص الذي يود ان يرشح غيره ، وان يتم التناوب بين فروع القبيلة بنظام الدور . وان يتم تحديد اسم المرشح بانتخابات داخل مجلس العشيرة . وكنت ارى انه لو أجمعت العشيرة وحافظت على عدم تسريب اصواتها لكان بإمكانها ان توصل نائبين للبرلمان في كل دورة . كما كان يفترض ان يتضمن الاقتراح تشكيل صندوق لهذه الغاية حتى يتمكن اي احدٍ من ابناء العشيرة ممن يمتلك مواصفات النائب المتميز أداءاً ، لكنه غير مقتدر مادياً ليتم الإنفاق على حملته الإنتخابية من صندوق العشيرة .. الخ . كان ذلك على ما اعتقد قبل ما أقدمت عليه قبيلة العبيدات من نهج حضاري متميز تفردوا به على الساحة الأردنية .

يا ناس ، ألا نطالب الدولة الأردنية بتطبيق العدالة ، والمساواة ، والحرية ، وتساوي الفرص ، وحرية الرأي والتعبير ؟ لماذا لا نطبقه نحن كمواطنين !؟

صدقوني ، ان ما يحدث يذكرني بمسرحية إسمها ( Much Ado About Nothing ) ومعناها غير الحرفي باللغة العربية أن ( الميت گلب والجنازة حارّه ) . تُقال عندما يُعطى الأمر أكثر مما يستحق . إحرصوا على بعضكم ، وإستمروا في توادكم وتراحمكم ، واتركوا اي إنتخابات تمر بيسر وسهولة ، بقدر محدودية تأثيرها الإيجابي عليكم وعلى الوطن .

وأختم وأقول : من يُعطي صوته مقابل مبلغ مادي ، او يتكسب به ، يكون رخيصاً ، وأسقط إنسانيته ، ولا يستحق الإحترام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى