الموظف العام بين مطرقة الحاجة وسندان الإصلاحات…!
د. مفضي المومني
الموظف العام… كائن حكومي في النهار… وفقر مطقع طول اليوم… والشهر والسنة… راتب لا يصل لنصف مبلغ حد الفقر غالباً… مطلوب منه أن يصبح موظف عالمي… تكنولوجي.. ريادي… مبدع… خاضع… منفذ… ببدلة رسمية في وظيفته… وآخر النهار مطلوب منه توفير متطلبات عائلته ونفسه؛ أكل شرب سكن دواء تعليم كهرباء ماء تلفون ضرائب…والقائمة تطول للمتزوج…!، ومطلوب من الأعزب تكوين نفسه و والزواج والتعليم والإعالة… وغيره الكثير…!
كل هذا تعجز ارقى النظريات الإقتصادية عن تفسيره في ظل الرواتب المسخوطة… ! واتذكر قصة الخبير الدولي الذي ارسلته إحدى جهات الإقراض… لدراسة الوضع الاقتصادي للبلد… وبعد ستة أشهر عاد وقد أشهر إسلامه واعتمر العمامة ولبس الثوب وبيده سبحة ألفيه، فسألوه (بعثناك تكتب تقرير… لا لتغير دينك وتسلم…!) فرد عليهم… بعد دراسة الوضع للناس وحياتهم لم أجد نظرية إقتصادية في العالم تبرر حالهم… عايشين وعندهم سيارات وبيدخنوا… وخلويات وبطلعوا رحلات وبيعلموا اولادهم…عندها أدركت أن هنالك قوة خارقة وراء حالهم… وأدركت أنه الله… فأسلمت.
ثم تخرج علينا دورة الإصلاح الإداري… والنظام الجديد… وفيه ما فيه… منع العمل خارج الدوام الرسمي، منع الإجازات دون راتب… نظام العقود وتحويل المؤسسات العامة كأنظمة الشركات… وتسليم مقدرات التعيين والترقية والمكافآت للمسؤولين والمدراء…واتوقف هنا… فمشكلتنا في الإدارات العامة معروفة ودون تعميم؛( التسلط، الشخصنة، الواسطات، الفساد بانواعه، إنعدام الكفاءة… الدكتاتورية… وتطول القائمة..!) فهل أعددتم قيادات إدارية كفؤة ومثالية لتنفذ غايتكم..! أم سيتم إستيراد مدراء من دول متقدمة… فتنفيذ ما تريدون في إصلاحكم ربما يحتاج إلى ملائكة..! فهل أنتم بصورة الوضع وحقيقته… أم تنقلون كلشيهات إدارية أو تخترعونها ولا تصلح لوضعنا…وانظمتنا وموروثنا الذي اصبح سلوكاً عاماً مقبولاً ومقونناً رغم خطئه..!.
تحضرني مداخلة الاعلامي الرجوب في برنامجه عن نظام الخدمة المدنية ومنع العمل خارج الدوام عندما قال ( هل اللي وضعه اردني..!)… وانا شخصياً مع عدم العمل خارج وقت الدوام… بشرط توفير إحتياجات الموظف ككائن اجتماعي قروي أم مدني أم بدوي… والتي تؤمن الحد الأدنى من احتياجاته اليومية الضرورية… وليس الكمالية..!
الأنظمة والتشريعات يا سادة الإصلاح يجب أن تتوافق مع الهرم القيمي للمجتمع ومعطياته… وإذا أردت أن تطاع أطلب المستطاع… الموظف الذي يدفع للبنك والسكن فقط 90% من راتبه…ومن أول يوم بالشهر ما بجيبته شلن… كيف بده يعيش.. ؟ وكيف بده يلبي متطلبات عائلته وحياته ومستقبله… إذا عرفنا أن متوسط الرواتب للعاملين والمتقاعدين بالغالب تساوي أو تقل عن الحد الأدنى للأجور… وقد يصل في أحسن الأحوال حول ال 400 دينار زائد ناقص… وجيبو خبير كوري وصندوق النقد الدولي ولن تجدوا منطق يحقق كفاية الراتب…!.
لهذا تجد المعلم اللي فتح كشك والموظف اللي ببيع على بسطه… او بيشتغل سائق تكسي أو أو… .وحدث ما شئت… إنهم يتشبثون بالحياة… ويعجزون عن توفير الخبز لعائلاتهم… ويبحثون عن طيف فرصة ليعودوا لبيوتهم ببضع دنانير يقضمها عوزهم وقلة حيلتهم….
نحن مع الاصلاح… لكن هذا الاصلاح سيحول البعض إلى شحادين… وفي المقابل الوضع الحالي الناس مدبره حالها ولو بالحد الأدنى من الأدنى… ويأتي المشرع ليلاحقهم عليه ويضيق عليهم عيشتهم… ويغلق الأبواب… وهي أبواب رزق… و(قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)… إصلاحاتكم تناسب دول نسبةدخل الفرد من الناتج المحلي فيها من 40 -80 ألف دولار… (مش 20)أو اقل… . التخطيط والتشريع يجب أن يبدأ من عائلة تعيش في خيمة أو بيت صفيح أو بيت غرفه لعائلة ومن حاراتنا وحوارينا وقرانا الفقيرة… إي الطبقة الفقيرة… أما الطبقة المتوسطة فقد غادرتنا منذ زمن…. أما التخطيط والتشريع من بروج عاجية… فسيفشل ويصفعه مارد الفقر والعوز والحاجة… وقالها عمر… لو كان الفقر رجلاً لقتلته….
وحسنا فعل رئيس الوزراء في إعادة دراسة بعض فقرات النظام الجديد من خلال لجنه او لجان… ولعل وعسى أن لا يكون نفس المشرعين أعضاء في اللجنه… أو اللجان…
توقفوا ملياً يا رعاكم الله… و(تعالولنا على قدنا).
حمى الله الاردن.