قراءة تحليلية لكتاب التكليف السامي لدولة الدكتور جعفر حسان
بقلم: الدكتور عدلي قندح
يشكّل كتاب التكليف السامي لدولة الدكتور جعفر حسان نقطة تحول مهمة في مسيرة الإصلاح والتحديث في الأردن، وهو يستند إلى رؤية شاملة وطموحة تتجاوز حدود التعامل مع التحديات الحالية إلى بناء مستقبل متين ومستدام. الكتاب يضع أسسًا واضحة لتحقيق التنمية الشاملة على كافة الأصعدة السياسية، الاقتصادية، والإدارية، مع تركيز خاص على مبدأ الاستمرارية في الإصلاح.
تحتل السياسة والاقتصاد مكانة محورية في كتاب التكليف، حيث يشير جلالة الملك إلى أن الحكومة الجديدة تتحمل مسؤولية دفع عجلة التحديث السياسي والاقتصادي، والتي بدأت الحكومة السابقة بالفعل في تحقيق بعض إنجازاتها. وبما أن الأردن قد أنهى انتخابات نيابية جديدة، يرى جلالة الملك أن التعاون بين الحكومة والبرلمان يجب أن يتم على أساس تشريعي ورقابي يضمن استمرارية الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية الحزبية. هذا يعني أن الحكومة الجديدة مطالبة بتعزيز دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة وتسهيل الحوار مع البرلمان لتحقيق مصالح المواطنين.
من الجانب الاقتصادي، يُظهر الكتاب وعيًا عميقًا بالتحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن في ظل الظروف الإقليمية والدولية الصعبة. يتطلب التحديث الاقتصادي الحفاظ على سياسة مالية حصيفة تهدف إلى ضبط الدين العام وزيادة معدلات النمو الاقتصادي. المشاريع الكبرى مثل النقل والمياه والطاقة تُعد رافدًا أساسيًا لتحقيق تنمية مستدامة. كما أُعطيت الحكومة توجيهات واضحة بضرورة تعزيز بيئة الاستثمار، خاصةً في ظل تقليص المساعدات الخارجية. هذا يعكس تحولًا في الرؤية الاقتصادية نحو الاعتماد على الاستثمار كمحرك رئيسي للنمو بدلًا من الاعتماد على المساعدات.
يركّز الكتاب أيضًا على أهمية توظيف تكنولوجيا المستقبل واستقطاب شركات التكنولوجيا العالمية، مما يعزز من مكانة الأردن كمركز إقليمي في هذا المجال. وتعد هذه النقطة خطوة استراتيجية للانتقال إلى الاقتصاد المعرفي. تفعيل التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية يأتي ليحقق تحسينًا ملموسًا في الخدمات العامة، إضافة إلى دعم جهود الأمن السيبراني. هذا يوضح أن الحكومة مطالبة بتوفير بنية تحتية متقدمة تعزز كفاءة القطاعين العام والخاص على حد سواء.
لم يغفل الكتاب عن الجوانب الاجتماعية، بل دعا إلى ضرورة تعزيز البيئة السياسية لحماية الحقوق والحريات، بهدف تحفيز المواطنين على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة. كما يشير إلى أهمية التحضير للانتخابات المحلية القادمة كجزء من توسيع قاعدة المشاركة السياسية. هذه النظرة الشمولية تؤكد أن التنمية الاقتصادية والسياسية والإدارية متشابكة، ولا يمكن تحقيق تقدم في مجال دون الآخر.
يركّز الكتاب على أهمية تحديث قطاع التعليم ليكون مواكبًا لحاجات سوق العمل، خاصة فيما يتعلق بالتعليم المهني والتقني. التعليم لا يُنظر إليه هنا فقط كأداة لتحقيق النمو الاقتصادي، بل كوسيلة لتعزيز القيم الوطنية والمجتمعية. في نفس السياق، تظل الرعاية الصحية ذات أولوية، حيث يُكلف الدكتور حسان وفريقه بالاستمرار في تطوير النظام الصحي، بما في ذلك التأمين الصحي الشامل.
يُمثل كتاب التكليف السامي لدولة الدكتور جعفر حسان خطة استراتيجية طموحة وشاملة تهدف إلى تعزيز استقرار الأردن السياسي والاقتصادي في مرحلة حرجة. الحكومة الجديدة مطالبة بتنفيذ مجموعة واسعة من السياسات والمشاريع التي تركز على تعزيز الإصلاحات الاقتصادية، وتعميق الديمقراطية، وتطوير الخدمات العامة، مع الحرص على التوازن بين التحديات القائمة والفرص المستقبلية. يعتبر هذا التكليف تأكيدًا على استمرار الدولة في مسيرتها نحو التحديث، وهو يتطلب فريقًا حكوميًا يمتلك القدرة والكفاءة لتنفيذ هذه الرؤية الطموحة بكل عزيمة وإرادة.
نحن على قناعة تامة ان رئيس الوزراء المكلف سيحرص على اختيار وزراء يتمتعون بالكفاءة والخبرة، ويمثلون وجوهًا جديدة في العمل العام، مشهود لهم بالنزاهة والمهنية العالية.