من الاخر
اجتماع السبعة : خطاب الاستعداء
اجتماع الستة : اعتدال ينقصه الغضب
د.أحمد رفيق عوض
رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية / جامعة القدس
هكذا ، و من الاخر نقول ان اجتماع مجموعة السبع في مدينة كابري الايطالية الاسبوع الماضي عكس نظرة عدائية و استعلائية و فيها كثير من الغباء و الظلم و ادارة الظهر للمعضلة الحقيقية ، اذ ان مخرجات هذا الاجتماع اكدت دعم اسرائيل سياسيا و عسكريا و حتى اخلاقيا و تجنبت اي انتقادات لمواقف اسرائيل او سياساتها ، و جل ما استطاعت تلك الدول ان تصل اليه انها بصدد تخفيض الصراع فقط و ليس وقفه ، و ان هناك ضرورة لزيادة المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني و هو موقف يشكل استمرار للسياسة المنافقة و المستهترة بحياة و مستقبل من لا يملك عيون زرقاء او بشرة بيضاء ، اكثر من ذلك فأن هذه الدول التي تدعي انها الاكثر حرصا على حقوق الانسان و جودة البيئة و السلم العالمي و مستقبل البشرية القت باللائمة على ايران و اتهمتها بالوقوف وراء خراب المنطقة العربية و الاسلامية ، بأختصار ، فأن اجتماع كابري لم يكن على مستوى التحديات و المخاطر ، و لم يهدف الى احتواء الصراعات او عدم توسيعها ، بل على العكس من ذلك تماما ، كان اجتماعا فيه تهديد و وعيد و فيه تغطية و تبن للرؤية الاسرائيلية و عدوانيتها ، و فيه عدم اعتراف بأصل المشاكل و جوهرها ، الا و هو الاحتلال الاسرائيلي و المحاولات الدؤوبة لشطب الشعب الفلسطيني عن الخارطة .
ان ما يجري في غزة و الضفة و القدس المحتلة لم يدفع السبعة الكبار الى ادانة اسرائيل او تحميلها مسؤولية تفجر الاوضاع و تدهور الاقليم بسرعة الى مواجهات متتالية ، و تجب الاشارة هنا الى ان مجموع الخطوات الامريكية و البريطانية الرسمية اتجاه معاقبة او محاصرة الحكومة الاسرائيلية انما هي خطوات تهدف الى اقناعنا بالحياد و الموضوعية ، و لكن ذلك غير صحيح و تكذبه الوقائع التي تقول ان هناك 26 مليار دولار اقرت كمساعدة عسكرية لاسرائيل ، و ان هناك تدفق للاسلحة البريطانية الى دولة الاحتلال .
السبع الكبار لم تدع الى تسوية سياسية و لم تعترف بالدولة الفلسطينية و لم تحترم رؤية الدول العربية و لم تقم وزنا للقانون الدولي ، تركت كل ذلك بصفاقة عجيبة و تبنت بالكامل رؤية اسرائيل لازمات المنطقة و صراعاتها ، و لهذا ، فأن اجتماع كابري كان اجتماع غباء و استعداء و استعلاء ولا يسهم على الاطلاق بحل اي ازمة اقليمية او دولية ، و هو دليل على ان النظام العالمي الذي يقوده الغرب الاستعماري انما يشهد اسوء لحظاته التي قد تقوده الى مواجهة لا يعلم مداها الى الله .
هذا ما يتعلق باجتماع السبعة ، اما اجتماع اللجنة السداسية العربية المتوقع انعقاده في السادس و العشرين من الشهر الجاري ، فهو ايضا سيمثل الرؤية العربية الرسمية للتعامل مع صراعات المنطقة و ازماتها و على رأسها الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني ، و هو اجتماع هام جدا لان من المفترض حضور وزير خارجية امريكا و هي فرصة ثمينة لتبادل وجهات النظر بين الطرفين العربي و الامريكي ، و حتى نصارح انفسنا فأن اللجنة السداسية و منذ تشكلها و حتى هذه اللحظة فأنها لم تستطع ان تكون الية ضغط فاعلة للتأثير على مجريات الامور و لم تستطع ان تلعب الادوار المتوقعة منها و لم تغير شيئا من الصورة الكلية او الجزئية و قد رأينا خلال الايام الماضية كيف هو السلوك الامريكي و الاسرائيلي اتجاه الازمة الاخيرة مع ايران ، و هو سلوك اتصف بالحذر و الندية و حتى الخوف و في المقابل فاننا نرى كيف يتصرف الاسرائيلي و الامريكي مع القضايا العربية و على رأسها ما يجري في قطاع غزة و الضفة و القدس الحتلة من فظائع و مأس .
اعتقد ان ما جرى مؤخرا بين ايران و اسرائيل يجب ان يعلمنا درسا مهما جدا ، و هو ان الاعتدال و ان كان في نهاية الامر سياسة مقبولة و حكيمة و لكنه بحاجة الى حزم و عزم و غضب ، لا يكفي لاشقائنا في اللجنة السداسية ان يعربوا عن استعدادهم الدائم للمشاركة في التسوية مهما كانت غامضة او مهما كانت استحقاقاتها ، و لا يكفي ان تحاول هذه اللجنة ابعاد الحريق عن اعضائها باعتبار ان سياسة النأي و الابتعاد و التجنب و الاحتواء ستفيد طيلة الوقت ، هناك لحظات تاريخية يكون فيها الاقدام افضل من التريث ، و يكون فيها الاندفاع افضل من السكون .
ان ما يجري في المنطقة سيصيب الجميع بشكل او بأخر ، و لهذا فأن ما نتمناه ان تضيف اللجنة السداسية على وصفة الاعتدال الابدية بعضا من الغضب الذي يجعل من هذا الاعتدال مبررا و مفيدا .
ليس من الحكمة ان يلعب الجميع في ملاعبنا دون ان يكون لنا رأي او موقف ، و ليس من الحكمة ان نسمح للاخرين باللعب فوق ملاعبنا دون ان نحدد قوانين اللعبة او وقتها او مداها .