التل يكتب: هتافات ضد الأردن ..
محمد حسن التل
من حق الناس في عمان وكل المحافظات في الأردن أن يخرجوا للتعبير عن آرائهم وغضبهم إزاء ما يحدث في غزة من جرائم تقوم بها إسرائيل أمام أعين العالم، ولكن ليس من حق أحد أن يردد هتافات وشعارات ضد وطنه في مسيرات سمحت بها الدولة كنوع من الدعم للأشقاء المعتدى عليهم ، ولا يجوز أن لا يرفع بها العلم الأردني على الأقل إلى جانب الأعلام الأخرى التي يتم رفعها!!
في الأسابيع الأخيرة بات واضحا أن هناك من يستغل هذه المسيرات ، ليحاول النيل من موقف الأردن اتجاه ما يحدث هناك تصريحا وتلميحا.
الأردن من الدول القليلة العربية والإسلامية التي فتحت المجال للتعبير بحرية حول الأحداث في غزة، ناهيك عن الموقف السياسي والدبلوماسي الذي ارتفع سقفه حتى بتنا أحيانا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على مصالحنا الوطنية وسط عالم كان لا يعرف في معظمه في بداية الحرب إلا الوقوف إلى جانب إسرائيل، ويعاقب كل من يتخذ موقفا مغايرا، لكن الأردن بقيادته الملكية لم يتوقف عند أي خطورة كان من الممكن أن تشكل خطرًا على مصالحه، واستمر في معركته الدبلوماسية وصعّدها إلى مدى بعيد، حتى سمعنا أصواتًا داخل الكيان الإسرائيلي تطالب باتخاذ مواقف فعلية على الأرض ضد الأردن، بل وذهب البعض إلى أكثر من ذلك حين حاول أن يحرض الدول الكبرى على الأردن نتيجة موقفه الصلب الرافض للاعتداء الإسرائيلي على الفلسطينيين خصوصا الولايات المتحدة.
لقد صعد الأردن موقفه في وجه إسرائيل من باب المسؤولية القومية والإنسانية معتمدا على رصيده الكبير والمتراكم ومصداقيته العميقة لدى المجتمع الدولي بأنه يسعى للسلام وتجنيب المنطقة الصراعات والحروب، وأنه يعمل من أجل حق اعترف به العالم للفلسطينيين في إزالة الاحتلال عن أرضهم وقيام دولة لهم حسب القوانين والشرعية الدولية.
قدم الأردن كذلك ما لم يقدمه أحد على مستوى الدعم اللوجستي على الأرض، فقد أرسل حتى اليوم عددًا كبيرا من طائرات المساعدات إلى غزة، ناهيك عن عمليات الإنزال المتعددة لسلاح الجو الأردني، وعلى ذكر سلاح الجو الأردني، ألا يعترف أو يفهم هؤلاء الذين يغمزون في الموقف الأردني ما هي الإشارة التي أرادها الملك عبدالله الثاني عندما حلق بنفسه بالطائرة فوق غزة بعملية إنزال مساعدات ، لقد أراد من هذا الموقف إرسال رسالة واضحة أن الأردن بكل إمكانياته وقدراته ممثلا بالملك نفسه يؤكد على موقفه ليس اتجاه غزة فقط، بل فلسطين كلها.
ترى لو أن زعيما آخر من الذين يعتبرهم البعض سلاطين وخلفاء العصر قام بنفس خطوة الملك، ماذا سيكون رد فعلهم وإلى أي مدى سيصل تصفيقهم؟ لكن العيون الرمداء تظل دائما لا ترى إلا الضباب، الذي يغطي على الصورة الناصعة وعلى القلوب والضمائر.
لقد آن الأوان أن ننصف دولتنا وأن يتوقف البعض على جلد ظهر وطننا، بسبب سوداوية لا تريد أن تغادر أصحابها. نحن لا نقبل أن تتضمن المسيرات التي من المفترض أن تكون داعمة لغزة وحتى الغزيون أنفسهم الإساءة إلى الدور الأردني الذي يشكل عامل صد قوي للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة.
يكفي هؤلاء أن يعظموا إنجازات الغير ويغضوا الطرف عن تقصيرهم ويحاولون في الوقت ذاته تصغير أي عمل أردني والغمز به إزاء قضايا أمته… بصراحة تامة، هذه إمكانياتنا وهذه مقدرتنا وضعناهما في خدمة الأشقاء في غزة، ولكل فلسطين وخاطرنا بالكثير من مصالحنا الوطنية في سبيل هذا الدعم في زمن انكفأت به دول عربية وإسلامية داخل حدودها وعجزت عما قام به الأردن في الأزمة وتمترست خلف مصالحها.
من يزاود على الأردن ومواقفه، ويصر على العزف على وتر التشكيك الرخو سيجد نفسه على أبواب الردة الوطنية…
محمد حسن التل
محمد حسن التل