نصير يكتب تراجع هيبة المناصب في الأردن: أين ضاعت الكفاءة وأين اختفى أصحاب الخبرة؟
بقلم الدكتور خلدون نصير
في السنوات الأخيرة، تشهد الساحة الأردنية تحولًا ملحوظًا في عملية تعيين المسؤولين وأصحاب المناصب العليا، بدءًا من الوزراء وحتى رؤساء المؤسسات الكبرى. في السابق، كانت المعايير واضحة، والأسماء معروفة، وكان الناس يشعرون بالاطمئنان لمعرفة خلفيات الشخصيات التي يتم اختيارها لقيادة المؤسسات ودوائر الدولة المختلفة. لكن اليوم، يبدو أن الأمور قد تغيرت بشكل جذري، حتى باتت الكفاءة في بعض الأحيان وكأنها عائق أمام التعيين، بينما يجد البعض في السمات السطحية سبيلاً للوصول إلى المناصب.
أصبح غياب الشفافية في التعيينات أمرًا مقلقًا، حيث لم تعد هناك معايير محددة أو واضحة للارتقاء بالمواقع المهمة في الدولة، مما أدى إلى تراجع الثقة بين المواطن ومؤسساته.
يلمس المواطن العادي هذا التراجع في كل زاوية من زوايا حياته اليومية، من خلال تعاملاته مع المؤسسات العامة التي تتأثر بغياب الكفاءات والخبرات المؤهلة على رأس هذه الإدارات.
وفي غياب المعيار المهني، يبرز السؤال الملحّ: كيف ولماذا يتم تهميش أصحاب التجارب العميقة والخبرات العالية واستبدالهم بأشخاص قد لا يمتلكون المؤهلات المطلوبة؟
حتى الوجهاء في المجتمع الأردني قد تغيرت معاييرهم، وبسبب ذلك تغيّرت نظرة الناس لهم. أصبح الكثيرون من الوجهاء حاضرين بدون تاريخ يُذكر، أو بتاريخ معيب لا يُضفي المصداقية اللازمة لتمثيلهم لمجتمعاتهم.
هذا التحول في مفهوم الوجاهة يضيف بعدًا آخر لمشكلة التعيينات، حيث بات الوجاهة لا تُعبّر عن عمق التجربة أو المكانة الاجتماعية كما كانت في السابق، بل أحيانًا تتحول لمجرد مظاهر تخلو من الأثر الاجتماعي الحقيقي.
يمتد هذا التهميش ليشمل الكفاءات ذات التجارب الراسخة، التي طالما كان لها دور بارز في إرساء دعائم التطوير وتعزيز التواصل بين الدولة والمواطن.
أصبحت بعض المناصب تُشغل بأشخاص لا يحملون المهارات اللازمة ولا يملكون المعرفة العميقة بمجتمعاتهم واحتياجاتها، مما أفقد هذه المناصب وزنها الاجتماعي والإداري، وأدى إلى تقليص دورها كحلقة وصل مهمة بين الدولة والمجتمع.
إن فقدان الهيبة الذي أصاب العديد من المناصب العليا يعكس أثر السياسات الحديثة في التعيين، إذ لم يعد هناك ما يُثبت أن هذه المواقع تحتفظ بقيمتها كما كانت سابقًا، بل أصبح بعض الناس ينظرون إليها وكأنها مراتب رمزية لا تعكس بالضرورة قدرة المسؤول على إحداث تأثير إيجابي.
بات من الشائع سماع أحاديث عن خيبة أمل المجتمع في الشخصيات التي تتولى بعض المسؤوليات، وعن مدى تراجع الأداء بسبب اختلال معايير الاختيار.
إن استعادة ثقة المواطن بالمؤسسات تبدأ بإعادة النظر في آلية تعيين المسؤولين، ووضع معايير واضحة تستند إلى الكفاءة والخبرة والقدرة على القيادة، مع الشفافية في عملية التعيين، بما يضمن وصول الأجدر والأكثر كفاءة إلى مواقع المسؤولية.
قد تكون العودة إلى هذا النهج هي الخطوة الأولى نحو إعادة الهيبة لهذه المناصب، وترسيخ الاحترام لهذه المواقع، كجزء من منظومة متكاملة تعزز قيم الشفافية والنزاهة وتعيد بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته.
ختامًا، يبقى التساؤل مطروحًا حول مستقبل البلاد إذا استمرت هذه السياسات: كيف يمكن للأردن أن يستعيد مكانته وفعالية مؤسساته في ظل غياب الكفاءات وتهميش أصحاب التجارب الكبيرة؟ الإصلاح يبدأ من داخل مؤسسات الدولة، واستعادة دور الكفاءة والخبرة هو الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الإصلاح، فبناء الأردن الحديث يتطلب عودة الاعتماد على الأشخاص المؤهلين والمؤثرين الذين يحملون في طياتهم التجارب والخبرات الكافية لقيادة المرحلة، بما يلبي طموحات المجتمع ويعيد للمناصب قيمتها، وللدولة حضورها القوي في حياة المواطنين.