شراء الأصوات .. في الإنتخابات .. لا يُحارَب بالتشريعات

 

عوض ضيف الله الملاحمة

بداية لا أعرف سبب تسمية المشاركة في الإنتخابات ب (( التصويت )) مع ان كل ما يتعلق بالإنتخابات يتم (( بصمت )) وبدون اي (( صوت )) وسرية تامة وشديدة . وصوت الإنسان ليس له علاقة مطلقاً بالمشاركة في الإنتخابات ، بدءاً من آلية المشاركة بالإنتخابات وحتى الشراء الرخيص الذي يُسقِط الكرامة ، والأمانة ، والإنتماء .

المُشرِعون يُتعِبون أنفسهم بوضع تشريعات وقوانين وأنظمة لمحاربة شراء الأصوات بالإنتخابات النيابية ويعملوا جهدهم لتشديد العقوبات ، وهم يعلمون انه لايتم كشف اكثر من حالة واحدة بين كل نصف مليون حالة تقريباً . وقد اعلنت الهيئة المستقلة للإنتخابات بأنها رصدت ( ٤٠ ) حالة رشوة إنتخابية ، منها ( ٩ ) قضايا منظورة امام القضاء . وعليه ماذا تُشكل هذه الحالات المحدودة جداً أمام إنتشار هكذا فساد في هذه الأيام !؟

المشرعون يعتقدون انها تشبه المخالفات المرورية التي من السهل رصد غالبيتها والقبض على المخالف . وفيما لو تم إكتشاف حالة ربما يكون وراء كشفها سبباً كيدياً وترصُّد وربما إنتقام او محاولة تشوية لهدف شخصي خفي .

هكذا صفقات تتم بخفاء وسرية تامة بين شخصين يكونان منفردين ، من مصلحتهما التكتم الشديد على فعلهم الرخيص المُسقِط للكرامة قبل التعدي على القانون . وهو فعل يتم بالخفاء حتى قبل سن القوانين التي تُجرِّمه ، لأن الطرفين يعرفان تمام المعرفة انه عيب ، وحرام ، وفعلٌ رخيص ، يُسقط الكرامة الإنسانية . ولا يتم اكتشاف هكذا فعل الا اذا كان احدهما يود الإنتقام من الآخر . حيث يمكنهما عقد الصفقة في غرفة مغلقة ، او في سيارة احدهما ، او في الخلاء ، وحتى لو إبتعدا قليلاً عن تجمهر معين وقبض البائع ثمن كرامته ، كيف يمكن التثبت من هذا الفعل الرخيص !؟

الحل الفعلي لمقاومة هكذا فساد وشراء ذمم وكرامات الناس يكون بإيجاد حلول للأسباب التي أدت الى إتجاه المرشح و صاحب الصوت المعروض للبيع الذي اطاح بكرامة الأردنيين ، وكسَر أنفتهم ، وأفقدهم إحترام الغير لهم والأخطر إحترامهم لأنفسهم ، ومنها :—
١ — وضع قانون إنتخاب يناسبنا ويقطع الطريق على هكذا أفعال وإنحرافات . ويشجع أصحاب الكفاءات والقيم للإقدام على الترشح ، لأن قيمهم أرفع من ان يسقطوا في هكذا عمل مُعيب ومحرّم .
٢ — إتخاذ إجراءات وطنية تعيد للأردني أنفته ، وكبريائه ، وكرامته ، وعزته ، وإعتداده بنفسه . كما كُنّا قبل بضعة عقود من الزمن وتاريخنا المشرف يشهد بذلك .
٣ — الحد من ظاهرتي الفقر والبطالة .
٤ — ان تسود العدالة وتكافؤ الفرص بين مكونات الشعب الأردني عند تقديم الخدمات والتعيينات ، لأنهما إذا سادا لا حاجة للواسطة فتنعتق رقاب غير المتنفذين من قبضة أصحاب السلطة والنفوذ .
٥ — فرز الفاسدين المكشوفين والمعروفين الذين تعرف الأجهزة المختصة انهم أقدموا على هذا الفعل في السابق ، وعدم السماح لهم بالترشح ، وذلك يكون بتعديل التشريعات الخاصة بشروط الترشح للنيابة .
٦– إستبدال راتب المعونة الوطنية بمشاريع فردية او عائلية صغيرة لحفظ كرامة الإنسان وتعزيز شعور الأنفة لديه ، حيث يشعر انه مواطن مُنتج وليس عالة عاجز عن توفير قوت يومه .
٧– توزيع الأراضي الصالحة للزراعة على الشباب المتعطلين عن العمل لإستغلالها في إقامة مشاريع فردية مُنتجة ، مما يخفف من نسبة البطالة والفقر ، ويوفر دخلاً لهم يجنبهم حياة العوز . وللعلم هذه الاراضي موجودة في كافة محافظات المملكة.
٨ — التخطيط لمشاريع وطنية كبرى ، تُحدث فرقاً في الاقتصاد الوطني ، وتوفر فرص عمل كبيرة ، وترفع من الدخل الوطني الإجمالي السنوي ، ويمكن توفير السيولة لهذه المشاريع بالإكتتاب العام للمواطنين .
٩– الخروج من حالة الإرباك التي يشهدها الوطن في جلب الإستثمار العربي والأجنبي ، وهذا له فوائد عديدة وكبيرة .

عملية شراء الأصوات تشبه الى حدٍ كبير شراء متعاطي المخدرات لإستهلاكه الشخصي . كم واحد منهم يُقبض عليه مقارنة بمن لا يُقبض عليهم .

وهذا يطرح سؤالاً هل هناك نية جادة وحقيقية للحد من هكذا فساد يطيح بمستوى ممثلي الشعب في أهم مؤسسة وطنية تختص بالتشريع والرقابة !؟

كما ان إنتشار هكذا فساد يغلق الأبواب أمام الشخصيات الوطنية التي تتصف بالكفاءة والنزاهة حيث لا يُقدِموا على الترشح للإنتخابات النيابية لسببين : أولهما :— ان هكذا شخصيات في الغالب الأعم لا تكون ثرية . وثانيهما :— أنهم يرفضون إتباع هكذا أساليب تتعارض مع مبادئهم وقيمهم . وإلا كيف يمكنني ان أفهم ان شخصاً متواضع القدرات ، والكفاءة ، ومتواضع جداً في تحصيله العلمي ، لدرجة انه لم يتحصل على الشهادة الجامعية ويُنتخب لدورات عديدة متتالية ومازال مستمراً ، ودون منافسين !؟
هل الغاية المستترة خفض مستوى كفاءة ، وقدرات ، ونزاهة أعضاء مجلس النواب حتى تسهل السيطرة عليهم ، وتسييرهم ، وإنقيادهم ، ونزع صلاحياتهم ؟

وأختم ، ببعض الأبيات والأقوال المأثورة ، ذات الصلة :—
— (( يا عِزة النفس كوني في العُلا قمراً / فالعيشُ دونكِ مثلُ الغصن إن مالا
ما قيمةُ المرءِ إن ضاعت كرامتهُ / فضلُ الكرامةِ يعلو الجاهَ والمَالا )) .
— ((عندما تتعرى الجذور ، وتنكشف الأصول ، وتهتز الثوابت ، يكون الإنهيار على يد عابث بأقل جهد )).
— (( تفنى اللذائذ يا من نال شهوته / من المعاصي ويبقى الإثم والعار )).
— (( البراطيل تنصر الأباطيل )) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى