لماذا الاردن مستهدف في خضم المحيط المشتعل بالأحداث؟
بقلم: كريستين حنا نصر
إن الوضع الجيوسياسي للمملكة الاردنية الهاشمية خاصة في هذه المرحلة الحساسة العصيبة التي تمر بها المنطقة، جعلت الأردن يعيش واقع خطير وسط إقليم ملتهب تعصف به الكثير من الأحداث، وهذا متصل بالتطورات المتسارعة للوضع المأساوي للصراع الجاري في غزة بين حماس واسرائيل، كذلك تصاعد وتيرة المواجهات بين حزب الله واسرائيل في جنوب لبنان ، اضافة إلى توترات الحدود الشمالية للمملكة الاردنية الهاشمية مع الجارة الشقيقة سوريا، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تعانية سوريا من واقع فوضى أمنية وأضطرابات واشتباكات دائرة بشكل مقلق في محيط مدينة درعا مؤخراً، الى جانب تواجد الميليشيات المسلحة على الحدود الاردنية، وبالطبع ليس على الحدود مع سوريا فقط، بل هناك أيضاً مخاوف متزايدة من احتمالية اختراقات أمنية على الحدود مع العراق من قبل بعض المليشيات المتذرعة بحجة واهية وهي سعيها حسب زعمها نصرة غزة!،علماً بأنها تخفي أسبابها وأجندتها الحقيقية الراغبة في تحقيق مصالح ذاتية على كافة الأصعدة بما فيها السيطرة والاحتلال العسكري وتحقيق مطامع اقتصادية، وغيرها من المآرب الشخصية المشبوهة.
ونظرة تحليلية للاجابة على سؤال لماذا الاردن مستهدف، تكشف عن حقائق واضحة وهي أن هناك بعض المغرضين واصحاب الاجندات الخبيثة والمأجورة، يحاولون المزاودة على الجهود الاردنية المتميزة في نصرة الاشقاء في غزة، هذه الجهود التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله في كافة المحافل الدولية ومن خلال توجيهه المستمر للجهات الحكومية المعنية بتكثيف ومواصلة جهود اغاثة ومساعدة الشعب الفلسطيني، ومن المعلوم للقاصي والداني أن الاردن قدم تضحيات كبيرة، فهو يعاني الكثير من الاثار الاقتصادية خاصة تراجع وتدهور قطاع السياحة ومحاولة العبث بأمنه، كل ذلك لم ولن يثني الاردن عن مواصلة جهوده الدؤوبة، وهذا يدفعنا لسؤال مشروع وهو ماذا قدم غيرنا أكثر مما قدمنا، ليس اليوم فقط ولكن على مدار عقود من تاريخ القضية الفلسطينية، بذل فيها الاردن التضحيات الكثيرة؟.
ان تراجع وتدهور الاوضاع الاقتصادية في الاردن هو نظير ما يقوم به من واجب قومي وانساني أثر بشكل مباشر على الاقتصاد وبالتالي قوت المواطن الاردني، كذلك مجابهة الأردن لمحاولات سافرة متكررة لخرق أمن حدوده ومن جبهات مختلفة، وبنفس الوقت نجد أن بعض القيادات والساسة يكتفون بتصريحات وخطابات هلوودية فارغة هدفها الوحيد دغدغة عواطف الشعوب العربية بكامل مكوناتها الدينية، بينما تبقى الأفعال الملموسة في دعم الشعب الفلسطيني معدومة من قبلهم، إن مقاصد البعض غير البريئة بضرب مصداقية الاردن لن تجدي نفعاً، خاصة أن سياسة الاردن الراسخة والثابتة دولياً تقوم على الالتزام بالشرعية الدولية، الأمر الذي أكسب الاردن الاحترام والثقة العالمية، إلى جانب استثمار الاردن للاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما فيها اتفاقية السلام الموقعة مع اسرائيل لخدمة مصالح عديدة للشعب الفلسطيني بما في ذلك تقديم الدعم الإغاثي والطبي له في ظل مآسي الحرب الدائرة اليوم في غزة والضفة الغربية.
ان محاولات البعض المشبوهة للتشكيك بالموقف الأردني يظهر زيفها أمام تاريخ أردني عريق، يتمثل بالسياسة والدبلوماسية الاردنية وقراراتها ذات السيادة طوال حكم الهاشميين المستمر لها، وهو حكم يتميز بالثقة العالمية والحنكة والحكمة والاتزان على الصعيد العربي والعالمي، فالاردن وانطلاقا من ثوابته الوطنية والقومية والعالمية لا يريد اليوم من يزاود عليه، ولكن ما يجري اليوم من بعض أصحاب الاقلام المغرضة التي توجه سمومها للاردن معروف تماماً اسبابه الحقيقية، والمتمثلة بطبيعة التحالفات الجديدة في المنطقة والمتمثلة بتحالف بعض الاحزاب ذات الطابع الديني السياسي مع ايران، والتي تهدف لزعزعة الانظمة في عدة دول عربية في المنطقة تمهيداً للسيطرة عليها والتحكم بقراراتها، ولا شك أن الصراع الدائر اليوم في غزة ساهم بشكل كبير في وضوح وبروز قوي لهذه التحالفات الجديدة.
ان الصراع على المصالح الذاتية لهذه الاحزاب والقوى الخارجية ليس هدفه السامي مصلحة الشعوب والبلدان في منطقتنا بقدر غايتهم الشخصية وهي الحصول على مقاليد السلطة بكافة أشكالها، والتي تتمثل بمصالح ذاتية لن تخدم ابداً الشعب الفلسطيني، وللاسف فان ما يواجهه الاردن من محاولات لزعزعة استقراره من خلال محاولات خرق الحدود لتجارة وتهريب السلاح والمخدرات، اضافة لما يمر به بلدنا من اوضاع اقتصادية صعبة قد يستغلها البعض بشراء الذمم للانقلاب على الوطن والشعب، وجميعها ظروف ومحاولات يجب مواجهتها من خلال تكاتف ووحدة وطنية نستطيع بها تجنب الاخطار ونعزز بها الاستقرار خلف قيادتنا الهاشمية ومع اجهزتنا الامنية التي تسهر على أمن حدودنا وتقدم قوافل الشهداء دفاعاً عن الوطن وحدوده وشعبه.