د. صبري الربيحات يكتب : الحصن تودع برجها الكبير

د. صبري الربيحات

الشيخ عوض حمود نصير احد اجمل النماذج للشخصية الاردنية المشبعة بالحب والكرم والفروسية والتأخي يرحل اليوم بعد حياة غنية وحافلة بالعطاء والبناء والتضحية وخدمة الاهل والوطن والأمة.

كان المرحوم عوض نصير احد اكثر ابناء جيله وعيا وربما اصرارا على القيام بما يعتقد انه مناسب حتى وان لم يحظى باجماع وتأييد من هم حوله فقد ترك العمل الحكومي الذي التحق به في منتصف الخمسينيات ليلتحق بدورة المرشحين الأولى لضباط الأمن العام 1956 ليتخرج بعدها بعامين ضابطا.

كان من رفاقه في تلك الدورة نصوح محي الدين وعيسى العمري وسامي الساكت وبسام الحمود وزكي الخصاونة وغيرهم ممن رسموا ملامح العمل الشرطي واكسبوا ثقافته الصبغة المحلية …

عمل الراحل في بواكير خدمته ضابط بحث جنائي وتحقيق في مدن الضفة الغربية ولاحقا مديرا لإدارة الجسور ومديرا لعدد من مديريات الشرطة قبل ان يتقاعد في ثمانينيات القرن الماضي تاركا الكثير من الارث لتلامذته وزملاءه والوحدات التي عمل فيها او تلك التي كان قائدا لها.

تعود علاقتي بالمرحوم الى خريف عام ١٩٧٩ عندما شاركت بمعيته وقرابة العشرين ضابطا في وفد لزيارة الجمهورية الفرنسية للإطلاع على خبرتها في التنظيم والعمليات والادارة الشرطية..

كانت الزيارة ضمن برنامج يأخذ الخريجين للدورة التقدمية الى بلد من البلدان المتطورة ..كان رحمه الله برتبة عقيد وكنت لم ازل ملازما حديثا لا تتعدى خبرتي الشرطية العامين…

في تلك الرحلة كان قائد الوفد العميد المرحوم محمد علي الأمين وكان من بين اعضاءه العقيد غازي جرار والمقدم غالب الضمور وموسى سويلم لطفي حداد وجميع اعضاء الدورة التقدمية من رتبة رائد أذكر منهم عبدالحميد رشيد وعزام حدادين وغيرهم .

كان المرحوم عوض نصير على علاقة طيبة بالسفير الاردني في باريس انذاك الاستاذ طاهر المصري  وقد تململ بعض اعضاء الوفد كونهم لم يلتقوا السفير طوال العشرة ايام الأولى من الزيارة والتي ستنتهي بعد يومين..

في نفس ذلك المساء الذي عبر فيه اعضاء الوفد عن شعورهم اطل علينا السفير طاهر المصري وزارنا في الفندق ودعى الوفد الى وليمة كبرى في السفارة وطلب الى رئيس الوفد ان يدعو كل من استقبلنا من الفرنسيين الى ذلك العشاء…
لقد عرفنا فيما بعد ان أبا اشرف قد اتصل بالسفير وابلغه عتب الوفد فهو كعادته فطن مبادر ولا يحب ان يترك في فضاء العلاقات ما يشوبها….

في العقود التي تلت ذلك بقيت على صلة بهذا الانسان المحب الكريم واستفدت الكثير من سعة اطلاعه وخصائص شخصيته التي لا تتوقف عن البحث والتفكير والمبادرة داخل وخارج المكان..

خلال الحرب العراقية الأولى وما تلاها كان عوض نصير وجها من وجوه الدعم الشعبي الاردني للعراق وفي كل مرة تهب على المنطقة عواصف الاستعمار تتقد في روح عوض نصير شعلة العروبة التي لا يطفيها الى الوحدة التي بقيت حلمه الابدي…

لقد ساهمت علاقات المرحوم وصلاته ولباقته في استقطاب تمويل ضخم لمسجد صدام حسين في محافظة اربد والذي ما كان ليبنى لولا مثابرة الراحل وجهوده وقناعة الناس به .

في السنوات القليلة الماضية التقيت بالمرحوم مرارا ورافقته في مشاوير عديدة واستمعت منه الى عشرات القصص والاحداث التي لا يتسع المقام لذكرها هنا…لقد كان لقاؤنا الاخير في منزل شيخنا اللواء أمن عام متقاعد احمد ابو السعود حيث لبيت بمعية ثلة من الأخوة رفاق السلاح دعوته لنا على الغداء …ويومها كان لي شرف ان اصطحبت ابو اشرف ذهابا وايابا.

رحم الله الفقيد واني على يقين ان الحصن وحوران و الاردن سيفتقدنك…وسنفتقدك نحن ابناء جهاز الامن العام وسيفتقدك كل من عرفك واحبك ..

الرحمة لروحك والعزاء للأخوة ال نصير والاردن وانا لله وانا اليه راجعون

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button